«حَلال». عبارة نجدها على لحوم الحيوانات المذبوحة وفقاً للشريعة الإسلاميّة. مَن هي الجهات التي تقف خلفها؟ كيف تمنحها، ولِمَن، وقبل كلّ ذلك… بأيّ صفة؟ هي عبارة يحتاج إليها المُتديّن لراحة ضميره، ومِثله، وربّما أكثر مِنه، صاحب السلعة… لراحة ثروته. بينهما تنتصب مؤسسات دينيّة مختلفة، لها حساباتها ومشاريعها، تتصارع في ما بينها، {فتؤثّر في حركة السوق بما لها مِن سلطة نفسيّة على أتباعها ــ الزبائن. تُصبح «الإجازة الشرعيّة» بالسلعة المذبوحة سلعة بحدّ ذاتها. شيء مِن الحلف الأبدي بين صاحب المال «والكهنة». لا قوانين خاصّة في بلادنا تُنظّم هذا «الذبح»… بمختلف أشكاله. إليكم هذا «السيرك» الذي يحتشد فيه الدم والمال
فجأة، أصبح في لبنان دجاج “الكفيل”. لوحات إعلانيّة، مِن الحجم الضخم، غزَت المناطق أخيراً. لنكن أكثر دقّة: مناطق مُعيّنة. العلامة التجاريّة في الإعلان منسوبة، بوضوح، إلى “العتبة العبّاسيّة المُقدّسة” في العراق. تلك العتبة، في مدينة كربلاء، هي مرقد العبّاس بن علي بن أبي طالب، وهي تتبع، إداريّاً، للمرجعيّة الشيعيّة الأعلى في النجف.
إذاً، هو العباس، الشخصيّة الدينيّة التاريخيّة، والذي كان مِن أشهر ألقابه: “الكفيل”. المُهم، أصبح لـ”الكفيل” الآن دجاجه الخاص، وقد وصل إلى لبنان، فأهلاً وسهلاً. إنّه الفرّوج “الحَلال”… طبعاً. سنعود إلى ذلك لاحقاً.
قبل أكثر مِن أربعة أشهر، أصدَر المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى في لبنان بياناً، أعلن فيه الآتي: “قرّرنا وقف مفعول الإجازة الشرعيّة الممنوحة لشركة هواتشيكن، وذلك بناء على تقرير فضيلة المفتي الشيخ عباس زغيب، المُكلّف متابعة تنفيذ بنود القرار (تجديد الإجازة الشرعيّة للشركة مَطلع العام الجاري)… حيث إن الشركة (هواتشيكن) أخلّت بالشروط والأحكام الواردة في متنه. وبناء عليه، نُحذّر الشركة مِن الاستمرار باستعمال اسم المجلس، أو العمل بمضمون تلك الإجازة، اعتباراً مِن تاريخه، ويجب عليها إزالة مُلصقات الإجازة عن جميع فروع الشركة”.
«الإمبراطور» والشيخ
وتبدأ المعركة… إعلاميّاً. مِن إيجابيّات هذا النوع مِن المعارك أنّها تكشف للناس، في لحظة غضب، ما خفي عنهم طويلاً. يَظهر جان الهوا في الإعلام أكثر مِن مرّة. هو صاحب “هواتشيكن”. يُمكن القول إنه صاحب “إمبراطوريّة الدجاج” في لبنان. يقول: “كان لنا دعاية إعلانيّة على قناة المنار، جرى إيقافها. عندها اتصلت بالشيخ عباس زغيب، في المجلس الشيعي. وبالمناسبة، المجلس يُشرف على الذبح عندنا منذ عشر سنوات. قال لي نُريد أن نُشرف على سلعة المارتديلا عندكم. قلتُ له لمَ ذلك؟ فالمارتديلا هي من الدجاج المذبوح شرعاً. نحن نُنتج خمسين سلعة مِن الدجاج، أيعقل أنّك تُريد مثلاً أن تُشرف عليها كلّها؟”. يُدرك الهوا جيّداً أن المسألة جديّة. هو في نهاية الأمر، صاحب سلعة، يُريد الربح، والمُستهلك “الشيعي” رقم لا يُستهان به. رأس المال هنا لا تعنيه الأديان. يُصبح مفهوماً أن يبدي الكثير مِن “اللطف” مع الشيخ. ويُكمل الهوا مرافعته: “الإشراف على الذبح، طوال الفترة الماضية، كان يقوم به شخص واحد مِن قبَل المجلس. قبل نحو شهرين مِن المُشكلة، أخبرني الشيخ زغيب أّنه يُريد رفع العدد إلى أربعة، فوافقنا على ذلك. عيّن هو الأشخاص الأربعة وأرسلهم. وبالمناسبة، هؤلاء المُشرفون نحن مَن ندفع لهم معاشاتهم الشهريّة. عموماً، نحن لم نخالف الاتفاق كما قال الشيخ، بل أصلاً ما مِن اتفاق مكتوب”. لاحقاً، وبعد تواصل “الأخبار” مع زغيب، وسماع تعليقه، كان الهوا قد قرّر الغياب عن الإعلام تماماً، وبالتالي ما عاد ممكناً سماع التعليق على التعليق. “السكرتيرة” الغاضبة تؤكّد ذلك.
إن كان “هواتشيكن” إمبراطوريّة في مجاله، فإنّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، على غرار المؤسسات الدينيّة (المِليّة) الأخرى، فإنّه لا يقلّ شأناً في ذلك… مع تعدّد الصلاحيّات وسعتها طبعاً. نتوجّه إلى المجلس. بعد نحو ثلاثة أشهر على “أزمة الثقة” بين الطرفين، يُحدّثنا الشيخ زغيب، قائلاً: “لا تزال الإجازة الشرعيّة مسحوبة مِن جانبنا. بالمناسبة، هم مَن قصدونا لطلب الإجازة منّا، نحن لا نقصد أحداً. لا جديد في أصل الموقف لأضيفه. سأخبرك عن شروط الذبح الشرعي، الذي يُصبح معه أكل اللحم حلالاً، وهي الآتية: أن يكون الذابِح مُسلِماً. أن يكون الذبح بكيفيّة مُعيّنة (منصوص عليها في كتب الفقه). أن توجّه الذبيحة ناحية القِبلة (الكعبة في مكّة ــ باطن الذبيحة تحديداً). ذِكر اسم الله على الذبيحة. هذه هي الشروط التي نطلب التثبّت مِنها”. لعل أكثر ما يُزعج في متابعة الموضوع المُثار، فضلاً عن أصله، أنّه سيكون عليك سماع كلمة “ذبح” كثيراً. المُهم، يَدخل زغيب في سرد ما حصل: “هم يذبحون الحبش. هذا لم نكن نعرف بأمره. أعترف لك، في السنين الماضية كان هنالك تراخٍ، لكن هذا انتهى الآن، لن نقبل. لديهم أصناف مِن المارتديلا يضعون عليها عبارة حلال، نُريد أن نتأكد إن كان اللحم مما نعاين ذبحه أو مِن مصادر أخرى. هم رفضوا. صحيح، في الآونة الأخيرة كان لدينا أكثر مِن مشرف، ولكن في الواقع نحتاج إلى أكثر، وصحيح أنّهم هم مَن يدفعون لهم رواتبهم، وهذا طبيعي كونهم هم يأتون إلينا ويطلبون إجازات شرعيّة، علماً بأن هذه الرواتب أكثرها يذهب كبدل تنقل. نحن في بيروت وهم يذبحون في أقصى الشمال. مدير الهواتشيكن يظن أن كلّ شيء يُشترى ويُباع، كلّا”. يدخل الشيخ هنا في “غضبة لله”. ترتفع نبرة صوته، ثم يكشف عن غيرة مِن “الأيزو” (المنظمة الدوليّة للمعايير) قائلاً: “الأيزو يوميّاً موجودون عندهم، ويُشرفون على كلّ الأصناف، فلمَ لا يُسمح لنا بذلك؟ نحن مسؤوليتنا أكبر، مسؤولية شرعيّة أمام الله، هناك دنيا وآخرة”. نتمّنى ألا يقع الصِدام بين “الشيخ” و”الأيزو”.
الشيخ و«السيّد»
يقول المثل الشعبي: “بيت السبع ما بيخلى مِن العظام”. مقولة طبّقها صاحب “الهواتشيكن” على طريقته الخاصة. يُمكن القول إنها أصبحت: “بيت الدجاج ما بيخلى مِن الإجازة الشرعيّة”. كان شهر رمضان الفائت قد اقترب. جان الهوا ليس مُسلِماً، لكنّه، كتاجر سلع غذائيّة، ينتظر رمضان بفارغ الشوق… إلى الربح. “الشيعة”، وهم بمئات الآلاف، لن يشتروا مِن عنده، بعد قرار مرجعيتهم الدينيّة الرسميّة في لبنان. لنقل نسبة كبيرة مِنهم. ما العمل؟ الهوا “لعّيب” ويعرف مِن أين تؤكل… الإجازة. فجأة، يَظهر على صفحته الإلكترونيّة بيان “شهادة تذكية شرعيّة” لمُنتجاته، وهذا نصّه: “يفيد المكتب الشرعي في مؤسسة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، بأن شركة هواتشيكن تخضع للرقابة والمُتابعة الشرعيّة مِن قِبَل المكتب في ما يخص ذبائح الدجاج حصراً، وحائزة الشروط الشرعيّة الكاملة، وإننا اعتمدنا مندوبين لديها بهذا الخصوص” (19 أيار 2016).
بائعو الدجاج يقصدون المؤسسات الدينيّة لنيل الإجازة فتتحوّل هذه الأخيرة إلى «دكاكين» مُتصارعة
طيّب، المجلس الإسلامي الشيعي، وهو شيعي طبعاً، يُحرّم، فيما مؤسسة المرجع فضل الله، وهي شيعيّة أيضاً، تُحلّل، وهكذا. المسألة ليست فتوى نظريّة، بل إجرائيّة، ومع ذلك تضيع الطاسة. نتوجّه إلى مؤسسة فضل الله، فتحيلنا إلى عضو الهيئة الشرعيّة لديها، المُكلّف متابعة هذا الملّف، الشيخ حسين عبدالله. نسأله، فيجيب: “كان يجب على المجلس الإسلامي الشيعي أن يقول في بيانه إنّه لم يعد له إشراف على الهواتشيكن، هكذا فقط، لا أن يقول إنّه غير شرعي. وبالمناسبة، نحن أعطينا إجازتنا في ذبح الدجاج حصراً، كما ورد في البيان، يعني محصورة في موضوع الذبح فقط. أما المارتديلا مثلاً فنحن لا نُشرف عليها”. لم يكن أحد لينتبه إلى هذا التفصيل، أو الإيضاح، بمجرّد قراءة البيان. يضيف عبدالله: “نحن نشترط في إعطاء إجازتنا ألّا يكون الدجاج مستورداً مِن الخارج، بمعنى ألّا يكون الذبح تمّ خارج لبنان، طالما لم نُشرف عليه هناك. وبالمناسبة، بعض المراجع يشترطون أن يكون الذابح مُسلِماً، أمّا نحن فنعمل برأي مرجعنا الراحل الذي يجيز أن يكون الذابح كتابيّاً، يعني مِن المسيحيين واليهود مثلاً، ولكن مع ذلك نطلب مِن المؤسسات التجاريّة أن يكون مُسلماً، مراعاةً للمستهلكين الذين يُقلدون مراجع آخرين. فرضنا أيضاً على بعض المؤسسات أن تُعدّل في أماكن الذبح، لتُصبح الذبيحة في اتجاه القبلة. أما بما يخص عدد المُشرفين، فلدينا شخصان عند هواتشيكن، التي على حد علمي تذبح 50 ألف طير كلّ ليلة، ولدينا مُشرف واحد عند مؤسسة “بول دور” مثلاً، وقس على ذلك”. بالمناسبة، المؤسسة الأخيرة نشطت في إعلاناتها التجاريّة في الآونة الأخيرة، وذلك بالتزامن مع موجة التحليل والتحريم المذكورة، إلى جانب مؤسسات أخرى، أصحابها مِن المذهب نفسه، وليست “الكفيل” إلّا آخرها (مِن المفيد الإشارة الى أنّ مؤسسة الكفيل تتبع لمرجعيّة النجف، التي يتبع إليها أيضاً، تقليدياً، المجلس الشيعي الأعلى في لبنان). مصادفات؟ ربّما.
سيكون للشيخ زغيب، مُمثّل المجلس، رد على كلام “زميله”… فيقول: “لا يَحق لمؤسسة السيّد فضل الله أن تُصدر إجازات أصلاً. نحن الجهة الوحيدة التي تُمثّل الطائفة الشيعيّة رسميّاً في لبنان. أكثر مِن ذلك، هل تَعلم أنّ تلك المؤسسة هي، في نهاية الأمر، ليست سوى جمعيّة خيريّة تابعة للمجلس الشيعي؟”. وهكذا، أصبحنا في مكان آخر. بتنا نحتاج إلى “فض اشتباك” بين “الإخوة”. طيّب، ماذا عن “السُنّة” في هذا المعمعة؟ قد يكون الحلّ عندهم. سنرى (انظر الإطار: دار “الفَتوَتَين”… و”الكشروت”).
الوزير «الإسلامي»
أين السلطات الحكوميّة في لبنان مِن هذا “الكرنفال الذبحي” الفالت؟ هل لها دور في هذا، على غرار بعض الدول، ومنها الغربيّة، التي نظّمت إلى حد ما هذه المسألة؟ هل يجب أن يكون لها دور مباشر أصلاً؟
يقول الشيخ:
«الأيزو يوميّاً موجودون عندهم، ويُشرفون على كلّ الأصناف، فلمَ لا يُسمح لنا بذلك؟»
تُدار قضايا المسالِخ العموميّة وشؤون استيراد المواشي عادة مِن جانب وزارة الزراعة. هذا عُرف دولي. نتصل بالوزير الحالي في لبنان، أكرم شهيّب، لنفهم مِنه دور وزارته في المسألة المذكورة. يقول: “الآن أُمارس الهايكينغ (المشي في المناطق الجبليّة) على علو ألفي متر. نتحدّث لاحقاً”. حسناً، لاحقاً. في اليوم التالي، يقول: “سأخبرك ما أعرفه. الكثير مِن الأبقار تأتي مِن البرازيل. الدجاج بعضه يأتي مِن البرازيل أيضاً، وبعضه يأتي مِن دول أخرى مستورداً عبر دبي. طبعاً هذه مُجلّدة. أما بخصوص قوننة مسألة الذبح الحلال، فلم يَمرّ معي شيء عندنا في الوزارة حول هذا الموضوع، وأنا لست مُلمّاً، ولكن سأحيلك على مستشار الوزارة القانوني، وهو مندوب مجلس شورى الدولة لدينا، القاضي عبدالله أحمد”. شكراً معاليك. والآن إلى القاضي. نتّصل به، نسأله، فيقول: “على ما أذكر، ثمّة قرارات وزاريّة صدرت سابقاً في هذا الخصوص، في الحكومة السابقة، عندما كان حسين الحاج حسن وزيراً للزراعة. أفضّل أن تعاود الاتصال بعد نصف ساعة حتّى أكون قد تأكدت مِن الموضوع”. سنعاود الاتصال، بالتأكيد، فالمخيّلة أصبحت نشطة الآن طالما أنّ القضية فيها حسين الحاج حسن، وزير حزب الله في الحكومة السابقة والحاليّة، يعني وزير “متديّن” و”إسلاميّ”… وبالتالي يعنيه “الذبح الحَلال”.
القاضي «مش راضي»
يأتي الجواب مِن القاضي: “وجدتُ القرارات الوزاريّة، عددها أربعة، ولكنّ مضمونها يتحدّث في العموم ولا يدخل في التفاصيل الدينيّة (الشرعيّة). هي تتعلّق بتنظيم الاستيراد مِن الخارج فقط، أمّا اللحوم المحليّة، والمؤسسات التي تذبح في لبنان، فلا شيء عنها في القرارات”. يشكرنا القاضي عبدالله على اهتمامنا بالموضوع، وقد بدا متحمّساً له، خاتماً بالقول: “هذه اللحوم المحليّة تذهب إلى المطاعم والمتاجر، ولا شيء يُلزِم أن تكون حلالاً، كما لا شيء يُلزِم أن يَكتبوا عليها أنّها كذلك”. في المادّة 13 مِن القرار 1/501 الصادر في 21/9/2010 (الوزير الحاج حسن) يَرد الآتي: “على الراغبين في استيراد لحوم مذبوحة على الطريقة الإسلاميّة أن يتقيّدوا بضم إفادة مِن الجهات الإسلاميّة المُشرفة على الذبح في بلد المنشأ، تؤكّد أنّ اللحوم مذبوحة على الطريقة الإسلاميّة، ومصدّقة بحسب الأصول ومُعترف بها مِن دار الفتوى أو المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان”. وتفرض الفقرة الثالثة مِن المادّة المذكورة الآتي: “ذكر عبارة مذبوح على الطريقة الإسلاميّة (حلال) بشكل واضح وصريح على سمة التعريف التي تحملها كلّ عبوة، مع ذكر اسم المرجعيّة الإسلاميّة المُشرفة على الذبح والمُعترف بها”. حسناً، هل يُعمل بهذا الآن؟ وزير الزراعة الحالي، أكرم شهيب، لا يعرف شيئاً عن الموضوع، أمّا القاضي فـ”يتصوّر” أن لا أحد يلتزم به حالياً. هكذا، المسألة ربّما تعود إلى المزاج الديني للوزير. قد يكون على محبّي لحم البقر أن يبتهلوا الآن لعدم مجيء وزير هندوسي لاحقاً. آه، لا يوجد هندوس في لبنان! الحمد لله.
دار «الفَتوَتَين»… و«الكشروت»
بعد “الدجاج الشيعي”، كان لا بدّ مِن البحث عن “الدجاج السُنّي”… مجازاً. نتوجّه إلى المؤسسة الدينيّة الرسميّة للسُنة في لبنان. إلى “دار الفتوى”. الشيخ أمين الكردي، الذي يشغل منصب “أمين الفتوى” في الدار، يتمتّع بحسّ الدعابة، إذ لا بأس في محاولة هدايتك إلى الدين القويم، ولو مزحاً، في سياق الحديث عن الدجاج “الحَلال”. لا بأس، المُهم، كيف يُدار عندكم ملف “الذبح الشرعي” يا شيخ؟ يُحيلنا إلى شيخ آخر، ضمن فريقه الإفتائي، لكن هذا الأخير يصعب الوصول إليه. نعود إلى الكردي، فيقول: “المؤسسات التجاريّة، في مجال الحَلال تحديداً، تقصدنا لكي نعطيها ثقتنا. وعلى هذه السيرة، الهواتشيكن قصدَنا عام 1995 ليأخذ إجازة شرعيّة، لكنّنا لم نعطه إيّاها، وظلّ يحاول وظللنا نرفض. لاحقاً، ذهب إلى إفتاء طرابلس، في محاولة التفافيّة علينا، ولكن ما أعلمه أنّه لم يحصل على ما يريد أيضاً”. سيكون على الشيخ الكردي أن يتوجّه إلى فرع الهواتشيكن في بيروت، في منطقة المزرعة تحديداً، ليجد أنّهم، على باب المدخل، قد ألصقوا إفادة تُفيد بـ”الذبح الحَلال” على الطريقة الإسلاميّة، وهي موقّعة من دار إفتاء طرابلس. إذاً، حال “السُنّة” مِن حال “الشيعة” في هذه المتاهة. في المذهب الواحد، أو حتّى المؤسسة الدينيّة الواحدة، تجد فرعاً يُحرّم وفرعاً يُحلّل. كأنّك أمام لعبة دكاكين نشطة في “بيع” الحَلال والحرام.
كان لافتاً أنّ لدى الشيخ الكردي اقتناعاً بأن السلطات الحكوميّة في لبنان ترعى مسألة “الحَلال” لمواطنيها. عبر وزارة الزراعة مثلاً، وعموماً “إن لم يكن الأمر كذلك فلا بد أن يُصبح كذلك”. أمّا الشيخ زغيب (المجلس الشيعي) والشيخ عبدالله (مؤسسة فضل الله) فيقولان إنّه لا ضابطة قانونيّة للموضوع، ولكن “لا بدّ من أن توضع القوانين التي تنظّم هذه المسألة وتكون إلزاميّة تحت إشرافنا”. هنا، يتفق “الشيوخ” في طموحهم. هنا تتبخّر الاختلافات المذهبيّة، تماماً كما تتبخّر بين المسلمين واليهود في دول الاغتراب، حيث يتّحد أتباع الديانتين غالباً، في أوروبا وأميركا، في وجه الدعوات التي تصاعدت خلال العقد الأخير لناحية منع ذبح الحيوانات إلا بعد صعقها بالكهرباء، والتي قدّمت أحياناً كقوانين، وذلك حرصاً على “حقوق الحيوان”. كلّما تفاقمت هذه الأزمة في فرنسا وبريطانيا وهولندا، وفي دول اسكندينافيا وغيرها، يدفع هذا بالمسلمين الملتزمين الذين يتمسّكون بـ”الحلال” (العبارة التي أصبحت مصطلحاً اقتصاديّاً بلحاظ السوق)، وباليهود الملتزمين الذين يتمسّكون بـ”الكشروت” (مرادف الحلال في الشريعة اليهوديّة)… إلى التعاون وتنسيق الجهود، وحتى التظاهر في الشوارع، بغية الحفاظ على طقس الذبح، من دون مؤثرات خارجيّة، في مقابل مشاريع القوانين الداعية إلى “الرأفة بالحيوان”.
وزير الصحّة: «ما إلي علاقة»
نتصل بوزير الصحة وائل أبو فاعور. نسأله، هل للوزارة علاقة قانونيّة ما بـ”كار” الذبح الحَلال؟ هل ما يحصل “مُطابق للمواصفات”؟ يُجيب: “لا نتدخل في هذا الموضوع. ما يعنينا، نحن كوزارة، هو شأن سلامة الغذاء صحيّاً فقط. ولا يوجد على حد علمي قوانين ترعى هذه المسألة. الموضوع خاضع للتسويق التجاري مع الزبائن. لا يمكن أيضاً الحديث عن تنظيم هذه المسألة من قبل الدولة عندنا، لأنّك تحتاج في هذه الحالة إلى فصل الدين عن الدولة، وهذه ليس عندنا مِنها”. نسأله ممازحين، وهل يوجد لدينا دولة أصلاً؟ فيردّ المزحة بأحسن مِنها: “صحيح، ايه، بدّك دولة أصلاً”.