IMLebanon

الإنتخابات الفرعيّة واجب دستوري

 

على أثر انفجار المرفأ في 4 آب من العام المنصرم، تقدّم 8 نوّاب باستقالتهم من المجلس النيابي، عملاً بأحكام المادة /16/ من النظام الداخلي تاريخ 18/10/1994. وسنداً لأحكام المادة /17/ من النظام نفسه، أعلمَ رئيس المجلس النيابي الهيئة العامة بالاستقالات المذكورة، وقرأ كُتُبها في أوّل جلسة علنية تَلَتْ تقديمها، حيث باتت هذه الاستقالات نهائية ونافذة.

 

وانقضى الشهر المنصرم على خَبَر وفاة النائب ميشال المُرّ تلاه النائب جان عبيد، حتى بَلَغَ عدد الشغور في المجلس النيابي 10 مقاعد.

 

ناوَرت السلطة، على أثر استقالة النوّاب الثمانية في شهر آب من العام المنقضي، وتلبّست دَوْرَ الحريص على احترام الدستور ونصوصه. فأحال وزير الداخلية حينها إلى رئيس الحكومة مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، من دون أن يحدد زمناً للانتخابات الفرعية، محاولاً بذلك رَمي الكُرة في مرمى الحكومة، إبراءً للذِمّة، وإنفاذاً للنّصوص.

 

إستندت الحكومة يومها إلى رأي هيئة التشريع والاستشارات تاريخ 2/9/2020 لِتَرحيل الانتخابات الفرعية إلى أجَلٍ غير مُسمّى، بِحجّة جائحة “كورونا” وبِذريعة “إعلان حالة الطوارئ في بيروت” وبأسباب أخرى، راكَمتها بِقَصد نَسْف الانتخابات الفرعية، لأسباب ودوافع سياسية، وخَوفاً من مواجهة الشارع والرأي العام والكتلة الناخبة.

 

واليوم، ومع بلوغ الفراغات في المجلس النيابي ما يُقارب عُشْر عدد أعضائه المكوّن منهم قانوناً، لم تزل السلطة مُصرّة على تَجنّب الانتخابات الفرعية، ليس لِسببٍ إلّا لِخَوفها من أنْ تنكشف عوراتها في صناديق الاقتراع. فأرسل وزير الداخلية الى رئاسة الحكومة في 12 من الشهر الجاري مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وفتح الاعتماد اللازم لها.

 

وأرفق وزير الداخلية مشروع المرسوم بكتاب يتضمن رأي هيئة التشريع والاستشارات تاريخ 2 ايلول 2020، داعياً رئاسة مجلس الوزراء الى الاطلاع واتخاذ القرار.

 

علماً أنّ إرفاق معالي الوزير رأي هيئة التشريع والاستشارات بمشروع المرسوم جاء مضلّلاّ، كون الهيئة قد أبدَت رأيها حينها غداة انفجار المرفأ، وفي ضوء إعلان حالة الطوارئ في مدينة بيروت وتمديدها، ولم تأت الإستشارة على ذكر التعبئة العامة على الإطلاق.

 

وبالتالي، ما الغرض من إرفاق الاستشارة بمشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إن لم يكن الإيحاء بوجوب تَرحيل الانتخابات الفرعية، كما جرى في خريف 2020؟

 

ولتذكير السلطة، لا بد من الإشارة:

 

1 – إن المادة /41/ من الدستور اللبناني نَصّت حرفيّاً:

“إذا خَلا مقعد في المجلس، يجب الشروع….”

وعبارة “يجب” هي قاعدة آمِرة مُلزمة، أي يقتضي على الحكومة، ويتوجّب على السلطة، وليست قاعدة تفسيرية أم تقديرية أو اختيارية. وبالتالي، الحكومة مُلْزَمة بإجراء الانتخابات الفرعية، وليست مُخيّرة دستوراً بهذا الإجراء.

 

2 – إنّ تذرُّع الحكومة اليوم برأي هيئة التشريع والإستشارات تاريخ 2/9/2020 لا يستقيم دستوراً، لأنّ إجراء الإنتخابات الفرعية هو واجب دستوري وليس إجراءً تقديرياً للحكومة في الإقدام عليه من عدمه، سنداً للظروف والعوامل.

 

ولأنّ رأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ليس رأياً مُلْزِماً إنما هو استشاريّ بَحْت، يُمكن للحكومة الأخذ به أو إهماله.

 

ولأنّ ما استندت إليه هيئة التشريع، لجهة حالة الطوارئ في بيروت قد انتهت، ولأنّ التحجج بالظرف الإستثنائي لا يستقيم، فمن يحدد الظرف الإستثنائي ويعرّفه؟

 

أمّا لجهة القول بوجوب إجراء الإنتخابات في يوم واحد، فذلك أيضاً لا يستقيم، كون هذا الشرط ينطبق فقط على الانتخابات العامة وليس الفرعية.

 

أمّا لجهة التذرّع بعدم جهوزية هيئة الإشراف على الإنتخابات لا يستقيم بدوره، لأنّ ثمة رأياً سابقاً لهيئة التشريع يشير إلى عدم لزوم هيئة الإشراف في الإنتخابات الفرعية.

 

أمّا في خصوص فتح الإعتمادات اللازمة للانتخابات، فإنّ القانون الرقم 213، (والذي جاء مخالفاً لنص المادة 86 من الدستور)، أجاز استمرار الصرف على القاعدة الإثني عشرية حتى إقرار الموازنة العامة في مجلس النواب. وبالتالي، يمكن تأمين الإعتمادات اللازمة، استناداً إلى هذا القانون، واستطراداً من احتياطي الموازنة.

 

مع الإشارة إلى أنّ رأي هيئة التشريع والاستشارات لم يَخْلُص إلى وجوب ترحيل الانتخابات الفرعية إلى أجَلٍ غير مُسمّى، إنما أتى جواباً على سؤال مُحدّد، وجواب الهيئة يأتي دائماً على حجم السؤال المطروح، لا أكثر ولا أقل، وجاء استناداً إلى كُتب رُفعت إليها من وزراء الداخلية والصحة والمالية والتربية. وبالتالي، استخدمت الحكومة هذا الرأي، وحَوّلته “شَمّاعة” لِتبرير الإرجاء غير المُبرّر. مما يفيد أنّ مسؤولية الترحيل للانتخابات لا تَقع على عاتق هيئة التشريع والاستشارات، إنما على عاتق مَن استخدم رأيها في غير محلّه، ولَمّا يزل.

 

3 – إنّ حكومة تصريف الأعمال في استطاعتها الدعوة إلى انتخابات فرعية، كَون هذه الدعوة تدخل ضمن مفهوم التصريف الضيّق لِتصريف الأعمال (الفقرة الثانية من أحكام المادة /64/ من الدستور) ضمن سياق ترميم بُنيان سلطة دستورية (أي السلطة التشريعية).

 

علماً أنه سَبقَ لحكومة الرئيس ميقاتي أن اجتمعت وكانت في حال تصريف أعمال عام /2013/، وفَعّلت هيئة الإشراف على الانتخابات، ورَصَدت الأموال اللازمة للانتخابات العامة، والتي كانت مُقرّرة في حينها ورُحِّلَت.

 

4 – إنّ الاستمرار في لُعبة الهروب من صناديق الإقتراع يُولّد الريبة، ويُصبح التخوّف مشروعاً ما إذا كانت السلطة تُحضِّر العدّة لإجهاض الانتخابات العامة في ربيع العام المُقبل.

 

وعليه، نُذكّر السلطة أن لبنان هو جمهورية ديموقراطية برلمانية (الفقرة “ج” من مقدّمة الدستور)، والشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية (الفقرة “د” من مقدّمة الدستور).

 

وبالتالي، ليس في استطاعة السلطة مُصادرة الانتخابات، وَكَبْت صوت الشعب.

 

علماً أنّ المجلس الدستوري وفي قراره الرقم 1 / 1997 تاريخ 12/9/1997 خَلُص إلى ما حرفيّته:

 

“قوام الديموقراطية مُشاركة الشعب في سَيْر الحياة العامة وفي إدارة الشؤون العامة”. وإجراء الإنتخابات هي الترجمة الحقيقية للديموقراطية السليمة، والمُعبّرة عن إرادة الشعوب وسيادتها.

 

ممّا يُفيد أنّ إجراء الانتخابات وَدَوْريّتها هو مبدأ دستوري لا يمكن تجاوزه على الإطلاق، ولا يحق للسلطة الحاكمة إجهاضه ونَسْفَه تحت أي حجّة أم ذريعة.

 

وفي الخلاصة، نُذكّر السلطة أن التحجّج بجائحة “كورونا” لِتَرحيل الإنتخابات الفرعية لا يُجدي، خصوصاً أنّ الولايات المُتحدة الأميركية أَجْرَت انتخاباتها العامة في أوج انتشار هذا الوباء.

 

ونؤكِّد أنّ إرادة الشعب ستنتصر، مُردّدين مع الشاعر التونسي أبو القاسم الشابّي:

 

إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياة فلا بُدّ أن يَستجيب القَدر