قد لا تكون الحكومة المستقيلة، ولأسباب عديدة، متحمّسة لإجراء الانتخابات الفرعية بعد شغور عشرة مقاعد نيابية، وكلها أسباب لا تتصل أبداً بالاستحقاق بحدّ ذاته وبالنتائج التي قد تظهرها صناديق الاقتراع، وقد ينام مشروع المرسوم، أو بالأحرى الكتاب الذي وجهه وزير الداخلية محمد فهمي إلى رئاسة الحكومة يوم الجمعة الماضي في 12 شباط، في الأدراج بحجة الأوضاع الصحية التي فرضتها جائحة كورونا، واستطراداً التعبئة العامة.
ولكن قد يكون هناك بعض القوى السياسية غير الممانعة، لا بل المتحمسة لملء الشغور الحاصل. ولعل اندفاعة رئيس مجلس النواب نبيه بري في اتجاه وزارة الداخلية لسؤال الوزير عن مصير الاستحقاق، أكثر من إشارة معبّرة.
بالفعل، يؤكد الوزير فهمي لـ”نداء الوطن” أنّه أبلغ الرئيس بري أنّه لم يتردد في القيام بما ينصّ عليه الدستور وقام بتوجيه مشروع المرسوم إلى رئاسة الحكومة ولو أنّه يرى ان ثمة ظروفاً صحية ولوجستية صعبة، الأمر الذي قد يفرض تباعداً اجتماعياً داخل أقلام الاقتراع وعدم السماح بحصول حالات اكتظاظ في مراكز الاقتراع. ويشير إلى أن رئيس المجلس بدا حريصاً على التوازن الطائفي لمجلس النواب والذي اختل بشغور تسعة مقاعد مسيحية ومقعد درزي واحد، الأمر الذي يدفعه إلى التشجيع على إجراء الانتخابات الفرعية بعد تذليل كل العقبات التي تواجهها.
قد يذهب بعض سيّئي الظنّ إلى حدّ التلميح إلى أنّ حماسة رئيس المجلس نابعة من رغبته في التمريك على الفريق العوني، المعني، أسوة بغيره من القوى المسيحية، بالاستحقاق في حال حصوله، على اعتبار أنّ تسعة مقاعد من أصل العشرة الشاغرة، هي مقاعد مسيحية. أكثر من ذلك، فإنّ سبعة مقاعد قد تشهد معارك في دوائر انتخابية ذات ثقل مسيحي، ما سيدفع “التيار الوطني الحر” إلى خوض اختباراتها مكرهاً لا بطلاً.
وفق هؤلاء، فإنّ قوة الدفع التي يحاول رئيس المجلس ممارستها، تهدف إلى إحراج العهد و”التيار الوطني الحر” ذلك لأنّ الأخير سيكون ملزماً بخوض هذه الانتخابات، في خمس دوائر، أربع منها وفق النظام الأكثري (زغرتا، كسروان، بيروت الأولى وعاليه) والخامسة وفق النظام النسبي (المتن)، ولو أنّه غير مستعد لوجستياً لهذه الانتخابات التي قد تتحول إلى كأس مرة. بالنسبة لهؤلاء، فإن هذه الانتخابات هي أشبه بامتحان صعب لـ”التيار” لكونه سيضع وزنه الشعبي وحضوره السياسي على المشرحة، أو بالأحرى على الميزان. صحيح أن “تكتل لبنان القوي” خسر بفعل مسلسل الاستقالات، نائبين، هما ميشال معوض ونعمت افرام، لكنه بالنتيجة لن يكون بمقدوره الهروب من معمودية صناديق الانتخابات، التي ستحول الاستحقاق إلى “امتحان سكور” لا امتحان نواب. يزيد هؤلاء أن خصوم “التيار” المسيحيين، وتحديداً “القوات” و”الكتائب” يمارسون كل أنواع الضغوط السياسية لتقريب موعد الانتخابات العامة لقناعتهم أنّ “التيار البرتقالي” في أضعف أحواله وبأنّ الرأي العام المسيحي لن يجيّر الموقع الأول في الزعامة الشعبية لـ”التيار”، حتى لو تمكنت مجموعات الحراك المدني وانتفاضة 17 تشرين الأول من رصّ صفوفها لخوض الاستحقاق ضمن مشروع واحد ونجحت في تحقيق بعض الاختراقات. المهم أنّ هناك قناعة أنّ العهد الذي صار في أشهره الأخيرة سيدخل مدار الانتخابات ضعيفاً وقد يدفع أثماناً باهظة في صناديق الاقتراع. ولذا يستعجل خصومه “التشمير” عن سواعدهم لتحقيق هذه الانتصارات، كما يعتقدون.
على الضفّة المقابلة، أي على خطّ قوى الثامن من آذار، فيبدو وفق المتابعين أنّ الحماسة لإجراء الانتخابات لا يقلّ منسوبها، لكن لاعتبارات مختلفة. وفق هذا الفريق، من المستحسن اخضاع الشارع لاختبار صناديق الاقتراع، إن لناحية معرفة توجهات الرأي العام بعد كل الخضات والانتكاسات السياسية التي تعرض لها والتي تسببت بقيام انتفاضة 17 تشرين الأول، أو لرصد مسار التحالفات ومصير تلك التي نسجت في العام 2018، ومدى قدرة التجمعات الجديدة من فرض نفسها وخطابها ومواجهة الانتخابات متفاهمة… إلى ذلك من تحديات قد تواجه الانتخابات، لتكون بمثابة “بروفا” للانتخابات العامة. ولذلك يقول هؤلاء إنّ سيناريو حصولها خلال الأشهر القليلة المقبلة ليس مستبعداً أبداً، وتتم راهناً مناقشته بهدوء.