كانت استقالة النواب الثمانية في أعقاب تفجير مرفأ بيروت صرخة احتجاج في وجه انسداد الأفق أمام اللبنانيين على كل الأصعدة. قبل التفجير كانت الأزمة تكبر وتتضخم، واستجابة السلطة تنعدم وتتقلص. منذ خريف 2019 وحتى الشهر الثامن من العام الذي تلاه، كان مسار التأزم واضحاً. مواطنون يعلون اصواتهم ويكثّفون احتجاجاتهم وسلطة تتوزع القمع والتجاهل. لم يعد للمواقع الدستورية دور أو معنى. جميعها وقع في القبضة، وساد شعور بين من تبقى لهم حد ادنى من المسؤولية باللاجدوى. لا جدوى من حكومة او من رئاسة أو من مجلس نيابي، ما دام تحالف الميليشيا والفساد هو من سيتخذ القرار في النهاية.
الانفجار لم يدفع نواباً فقط للاستقالة، فثلاثة وزراء من حكومة حسان دياب أعلنوا تخليهم عن مواقعهم قبل أن يعاد استيعابهم في استقالة دياب نفسه ليتحولوا مثل أقرانهم الى التصريف.
كانت الاستقالة محاولة لتحريك المياه الراكدة. من جهة فيها استجابة لنقمة الناس، ومن جهة ثانية دفع نحو إجراء انتخابات مبكرة قد تُحدثُ تغييراً في موازين السلطة التشريعية. وانضم دياب نفسه الى الفكرة في تلك الأيام قبل ان يُعاد استيعابه بدوره في ماكينة السلطة التي جاءت به.
انتهى فعل الاستقالات بمجرد حصولها، سارع “سيّد نفسه” الى قبولها، واستمرت الأزمات، وبدلاً من الانتخابات المبكرة، بدأت الشائعات تنتشر وتتراكم عن عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها العام المقبل، وتفرّعت عنها إشاعة تتحدث عن عدم إجراء انتخابات رئاسية، بما يعيد الى الأذهان تجارب قريبة عن تمديد للمجلس النيابي لدورتين من دون مبرر، ثم منع هذا المجلس على مدى عامين ونصف العام من انتخاب رئيس جديد للدولة.
البلد الآن امام احتمال تكرار الألاعيب نفسها. أما الحديث عن انتخابات فرعية فلن يغيّر شيئاً في أسباب المشكلة. انه اصلاً حديث متأخر عن استحقاق واجب بالمعنى القانوني. أما في السياق العام للأزمة فهو أشبه بالدعوة لانتخابات عام 1992، عندما جعلت القبضة السورية الفوز ممكناً بأربعين صوتاً. ونحن ما زلنا في السياسة هناك…