في خضمّ أزمات لبنان المصيرية، الصحيّة والماليّة والمعيشيّة والامنيّة وتشعّباتها الخطيرة، استيقظت السّلطة البائدة مع أولى إشارات التغيير في مناخ العلاقات بين واشنطن وطهران وباتت تستعجل اجراء الانتخابات النيابيّة الفرعيّة، المجمّدة منذ آب ٢٠٢٠ بحجّة جائحة «كورونا» وغيرها من الحجج بانتظار الظروف المناسبة التي تسمح للطبقة الحاكمة بالتحكّم بنتائج الانتخابات والانقضاض على المقاعد النيابية الشاغرة. ومن هنا نفهم سبب إصرار فريق رئيس الجمهورية على الحصول على حقيبة وزارة الداخلية.
وقد حدد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال الموعد المحتمل لإجراء الانتخابات الفرعية في ١٦ أيار أو ٢٣ منه، الّا في حال تعذّر اجراء هذه الانتخابات لأسباب قاهرة.
وكان من المتوجّب أن تُجرى الانتخابات قبل ١٣ تشرين الأول عام ٢٠٢٠ عملاً بالمادة ٤٣ من قانون الانتخابات النيابيّة رقم ٤٤ للعام ٢٠١٧ التي تقضي بإجراء الانتخابات الفرعية خلال شهرين من الشغور النيابي. الّا أنّ هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل كانت قد أصدرت توصيتها القانونية في أيلول ٢٠٢٠ بتأجيل الانتخابات الفرعية لأسباب عدّة، وتبنَّتها الحكومة آنذاك. لكنّ الأسباب التي دفعت إلى التأجيل سابقاً ازدادت تفاقماً أضعافاً، إضافة إلى المعوّقات اللوجستيّة والماديّة والصحّية الوقائيّة التي قد تحول دون إجراء الانتخابات المرتقبة. فعن ايّ انتخابات فرعية تتحدّث السّلطة البائدة؟
بدايةً ما زال انتشار جائحة «كورونا» يشكّل خطراً فعلياً على المجتمع وقد يتم فرض الاقفال العام مرّة جديدة تجنّباً لمفاقمة الأزمة. وفي حال قرّرت السّلطة اجراء الانتخابات ستسبّب ازدحاماً غير محسوب العواقب وخرقاً للإجراءات الوقائيّة، الأمر الذي يهدّد البلد بانتكاسة صحيّة جديدة. وحتماً ستتملّص الدولة من مسؤوليّتها عن حصول تخالطٍ اجتماعي خَطِر، كما سبق وأدّى تراخيها خلال مناسبات الأعياد إلى كارثة صحيّة مريعة.
وفي حين تفرض المادة ٤١ من قانون الانتخابات إجراء الانتخابات خلال يوم واحد في كل الدوائر الانتخابية، الّا أنّ جريمة تفجير مرفأ بيروت في آب ٢٠٢٠ قد تسبّبت في تضرّر عدد كبير من المدارس في بيروت وبات متعذّراً اعتمادها كأقلام اقتراع. كما أنّ القوى الامنية تُستنزف كل يوم ولم تعد قادرة على تنفيذ قسم كبير من مهامها لحماية الوطن والمواطنين، وبالتالي قد لا تستطيع مواكبة الانتخابات الفرعيّة بالشكل المطلوب.
وهناك مسألة تنظيم الحملات الانتخابيّة للمرشّحين، لاسيما الذين هم من خارج السّلطة، في ظلّ الإجراءات الصحيّة وخصوصاً منع التجمّعات وعدم امكان ماكيناتهم الانتخابيّة من اجراء الجولات المطلوبة على الناخبين، الأمر الذي لا يسمح بالتعرّف على المرشّحين والاستماع الى برامجهم. وهناك ايضاً مسألة مغامرة الناخبين بالحضور إلى أقلام الاقتراع والتعرّض لمخاطر العدوى.
وفي موازاة المأزق الصحي، هناك مأزق تمويل الانتخابات الفرعية التي ستكبّد الخزينة المفلسة نحو ٣ مليارات ليرة على اقلّ تقدير، ويبقى السؤال عن مصدر التمويل وسط تخوّف اللبنانيّين من استخدام أموالهم المحتجزة في المصارف والمصرف المركزي لهذه الغاية.
أضف الى ما سبق مشكلة تتعلّق بالمهل والظروف، فيما المرجّح أن تقوم السّلطة بدعوة الهيئات الناخبة قبل ٣٠ يوماً من اليوم المحدَّد للعملية الانتخابية بحيث تكون المهلة كافية لأزلامها وعاملاً ضاغطاً على الآخرين.
بالنتيجة هناك سيناريوهات متعدّدة حول الانتخابات النيابيّة الفرعيّة تبدأ من احتمال إجرائها في النصف الثاني من أيار وتنتهي بإلغاء هذا الاستحقاق بحيث تكون البلاد قد اصبحت على شفير استحقاقي الانتخابات النيابية والبلدية في ربيع ٢٠٢٢ واللذين سيعقبهما في خريف السنة نفسها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، التي يجهد بعض المهرطقين في إيجاد فتاوى تجيز لرئيس الجمهورية البقاء في بعبدا في حال تعذّر اجراء هذه الانتخابات في موعدها الدستوري.
وفي ايّ حال إذا أجرت السلطة البائدة الانتخابات الفرعيّة بذريعة احترام الدستور، ستنطوي هذه الانتخابات على مخالفة فاضحة لنص الدستور وروحيّته بخصوص حرّية التنقّل ضمن الأراضي اللبنانيّة وحرّية الاجتماع وحق اللبنانيّين في المشاركة في الانتخابات، الأمر الذي تقّيده مخاطر عدوى «كورونا»، وغيرها من الظروف القاهرة، وبالتالي ستكون هذه الانتخابات عرضة للطعن بشرعيّتها ومدانةً في عواقبها الصحيّة والاجتماعية والماليّة والسياسيّة.
فهل تتحمّل هذه السلطة البائدة طُعوناً واتهاماتٍ جديدة؟ نعم على الأرجح، لأنه ينطبق عليها المثل الشائع «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»!