تفشّي ظاهرة الإرهاب في دول المنطقة، وتزايد استقطاب الشباب الأحدث عمراً للانخراط في التنظيمات الإرهابية، يذكّراننا بتفشّي ظاهرة المخدرات بداية الثمانينات من القرن العشرين. في تلك الفترة انخرطت غالبية مؤسسات المجتمع العربي في مواجهة الظاهرة الجديدة، اصبحنا جميعاً نتحدث عن المخدرات. نقلنا أساليب تناولها، وتهريبها إلى أفلام السينما، ومسلسلات التلفزيون، وصارت موضوعاً حاضراً في حواراتنا وشاشاتنا، وفي نهاية المشهد أصبحنا في حال تطبيع مع الظاهرة القذرة.
في فيلم «العار» الذي أُنتِج عام 1982، ومن بعده فيلم «الكيف» الذي أُنتِج عام 1985، جسّدنا حال التماهي مع المخدرات، أصبحت ميداناً يصنع الأبطال. صار الابن الجاهل زعيماً يثير الإعجاب، في الفيلم الأول، وتحوَّل الطبيب في الفيلم الثاني مدمناً، بعدما صنع توليفة تشبه الحشيش، لكنها تخلو من المخدرات، في محاولة لإقناع أخيه بأن المخدرات وهم. لكن الخلطة غيّرت حياة الطبيب مادياً فتمادى، وهو غير مدرك أنها أعجبت تجّار المخدرات الذين أضافوا إليها مسحوقاً من حبوب الهلوسة. كنا نشاهد هذه الأفلام ونتفاعل مع حبكتها وأبطالها، من دون أن تترك لدينا أثراً حول ضرر المخدرات التي تحوّلت إلى فكرة نتسلى بحكاياتها، ونعجب بأبطالها، مثل كل الأفكار التي تلهم كتّاب الدراما، ومن تلك الأفلام ولدت أغاني «المكوجية»، وتدهور الذوق العام، وبقيت المخدرات.
نحن اليوم نعاود الكرّة. نمارس حالاً من التطبيع مع الإرهاب. استمرأت شاشاتنا مشاهد نحر البشر، حتى أصبح قتل المواطن اللبناني جورج الريف في قلب بيروت، حادثاً عادياً يجري تداوله بين الصغار والكبار، باعتباره مشهداً مثيراً للفضول، كأننا نشهد مقطعاً من فيلم مرعب.
تأمّل شاشات القنوات الإخبارية في منطقتنا، وقارن تعاملها مع جرائم «داعش»، و «القاعدة»، و «عصائب أهل الحق»، و «الحشد الشعبي»، و «النصرة»، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، بتعامل القنوات الغربية. ستجد أن الأخيرة تمر على أخبار الإرهاب بمقاييس مهنية صارمة، وأن الثانية أصبحت مثل طفل فَرِح بلعبة خطرة، يعبث بها وبنا. بل لا نبالغ إذا قُلنا إن بعض القنوات الإخبارية مارس تحريض الشباب على الذهاب إلى سورية، على نحو أشد من تحريض بعض الدعاة، من خلال أسلوبه في التركيز على مشاهد القتل، ونقل كل ما يصل إليه عبر مواقع الإنترنت، من دون تمحيص.
لا شك في أن محاربة الإرهاب تبدأ من لجم شهية الشاشات والقنوات الإخبارية لمشاهد القتل، والاستغناء عن الدعاة الإسلاميين في مخاطبة الشباب، لأن خطابهم ملتبس بين التنديد بالإرهاب، والإيحاء به.
الأكيد أن الحل سيكون ممكناً إذا غيّرنا الدندنة، وعلّمنا القنوات الإخبارية الأصول المهنية، وفتحنا آفاقاً لصنّاع الأمل، ونجوم الإبداع والأدب والفكر والفن. القضية ليست مستحيلة، لكنها بحاجة إلى قرار شجاع.