IMLebanon

وداعاً جنرال

 

تنتظرُ جمهرةٌ واسعةٌ من اللبنانيين بفارغ الصبر، نهايةَ عهدِ الرئيس عون، ومغادرتَه قصرَ رئاسة الجمهورية في بعبدا…

وتشعرُ غالبيةُ اللبنانيين بثقل الآثارِ المُدمرةِ، التي طالت لبنانَ، شعباً ومؤسساتٍ وقيماً وثقافةً، خلال سنوات العهد، الذي يستعجِلُ الكثيرون نهايتَه، ويُعلِّلونَ أنفسهم بنعمة نسيان أيامٍ مَضَتْ عليهِمْ كئيبةً، حزينةً، وساعاتٍ من الشعورُ بالذُلِّ والخَوْفِ والهَوان، أمضوها في صفوفِ الإنتظار على محطاتِ الوقودِ أو مداخلِ الأفران أو صيدليات الأدوية، أو أبواب المستشفيات، يحملون مرضاهم، ويستعطفون مسؤولا يدخلهم، ويتسوَّلون سريرا يستقبلهم أو طبيبا يعالجهم…

كما يُعَلِلُّون أنفسهم بأن يهدأ غضبهم، وثورة الثأر لكرامتهم، بعد أن سُرِقَت ودائعُهم، ونُهبَتْ أموالُهم وتَدَنَّت قيمةُ أجورِهِم ورواتِبِهم، ثم جرَى تحطيمُ كبريائهم، على أبواب المصارف وفي قاعات البنوك وصرافاتها الآلية، يُعامَلُون كمُتسولين لجنى أعمارهم.

أما ثَكالَى المرفأ من أمهاتِ وزوجاتِ وعائلاتِ الضحايا، لأكبر إنفجارٍ تَقليديٍّ في التاريخ، فسيُكفكِفون دموعاً حارةً، وهم يرون سيد القصر الجمهوري يُلَمْلِمُ أوراقَه وخيباتِهم من عهده، وصُورَ الكوارثِ التي سَمَحَ بها، أو تَسبَّبَ بحدوثِها لهُم، بحيث قد يكون الأول من تشرين الثاني القادم، يوم بلسمة جراح كل لبناني، لا لأنها إنتهت مشاكلُ لبنان، أو انحلَّت أزماتُه، بل لأنَّ إخلاءَ القصرِ من ميشال عون، قد يكون إشارة الى جريانِ الوقتِ وتَغَيُّرِ الزَمَنِ، ودورانِ عقاربِ الساعة، وتوالي الأيام وانتهاءِ كابوسٍٍ، طالت المعاناة في تَحَمُلِ مجرياته.

يحصي كل لبناني وان كان صامتا حجم أضرار هذا العهد ورئيسه وتياره وجمهوره، فمن العَتمِةِ الشاملة للكهرباء، الى عشرات السدود الجافة والفارغة من الماء، الى إنقطاع مياه الشفة في المنازل، وتحويل مصالح المياه الى حواجز خوات لمال المواطنين وخدماتهم، الى انهيار خدمات الإتصالات والمواصلات، الى شلل الإدارات الرسمية وعجزها عن القيام بأعمالها اليومية، الى انهيار الخدمات الصحية والاستشفائية وإنعدام كل أشكال التغطية والتأمين على الأعمال الطبية والجراحية الى انعدام توفر الدواء والرغيف والغذاء، والى إنفلات مستوى الغلاء وأسعار المشتريات اليومية للأسر اللبنانية، وانحدار ٨٢% من اللبنانيين تحت خط الفقر، الى إنهيار قطاعات التعليم والنقل، وعدم توفر أي إمكانية لتسيير دوائر الدولة الرسمية، الى إستعمال القضاء للكيد السياسي، أو استنكافه عن تطبيق القانون وأحكامه والتنكّر لمسؤولياته في إدامة تقاليد المحاسبة والمساءلة وإحقاق العدالة…

قد يحصي اللبنانيون كل ذلك، ويحتفظون به ليروُّوه للأجيال المقبلة، لكن وجوهَهُم ستشرق ببسمات زاهية، وهم يرون ميشال عون يذهب الى موقع التقاعد والنسيان، كخطيئة فادحة في الحياة السياسية اللبنانية، وكإثم تأسيسي، وَشَمَ جبين كل من ساهم بأن يدخل هذا الرجل الى الحياة العامة، ثم مكَّنَهُ من التحكم بمجريات الحياة السياسية، وقيادة تيار سياسي كبير، وصولا الى انتخابه في موقع رئيس الجمهورية.

يحتاج اللبنانيون الى فيضٍ من التسامح وأغمار من الغفران، لكي يطوُّوا صفحة ميشال عون، وليتابعوا حيواتهم سليمة ومتوازنة، فيما يصرّ الجنرال وصهره وجماعتهما، على مزاعم وذرائع فارغة، فينقل رئيس الرابطة المارونية عن رئيس الجمهورية قوله «ان حكومة تصريف الأعمال لن تكون قادرة على تولّي مسؤولياتها بشكل كامل في حال تعذّر انتخاب رئيس جمهورية لأي سبب كان» مضيفا «لا يبدو طبيعيا ان الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية، غير المكتملة المواصفات، وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب يمكنه أن يملأ فراغ رئاسة الجمهورية» وهو يلوّح بذلك لإمكانية بقائه في قصر الرئاسة بعد انتهاء مدة ولايته.

يتضح مما تقدم أن رئيس الجمهورية الذي يتوجب عليه السهر على حماية الدستور وتطبيقه نصا وروحا، يقوم بالتلويح بمخالفته مرة جديدة، فقد نصت المادة 49 من دستور لبنان على أن «رئاسة رئيس الجمهورية تدوم لمدة ســت سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته». النص صريح، وبقاء عون في القصر يستحيل دون تعديل دستوري والتعديل يستحيل الوصول إليه.

فبعد انتهاء مدة الســت ســنوات يصبح الرئيس بلا صلاحيات، وغير مخوّل الإشتراك في إصدار المراسيم، ويصبح وجوده في القصر وجودا معدوماً مــن أي مفعــول قانوني، وفي لحظة انتهاء مدة الســت ســنوات، يصبح ملزما بمغادرة القصر الرئاسي، وفي حال لم يقم بذلك يصبح في موقع اغتصاب الســلطة، وكل تصرف يقوم به يعتبر بحكم اللاغــي، ومعدوم الأثر، ولا يرتــب على مخالفته أي مسؤولية، لا بل العكس من ذلك تصبح مخالفته أمرا واجباً، وإلا تعرّض من نفذه، للمســاءلة والمحاسبة.

 

لا يكتفي عون بالتلويح بالبقاء في القصر بعد انتهاء مدة ولايته، بل ينبري بعض من صبيةٌ الاعلام من حوله، بالتلويح بنيّة عون لتأليف حكومة انتقالية يرأسها مسيحي وتكون شبيهة بحكومة عون التي أُلِّفَتْ في نهاية عهد الرئيس الجميل.

ينسى هؤلاء أو يتجاهلون ان صلاحيات رئيس الجمهورية قد قلّصت وتغيّرت بموجب الدستور واتفاق الطائف، وان اختيار رئيس الحكومة وتحديد اسمه أصبح من ثمار «استشارات نيابية ملزمة» يجريها رئيس الجمهورية بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب، وان المقرر في هوية من يتولى رئاسة الحكومة هي الأكثرية النيابية، وليس رئيس الجمهورية، وإذا كانت الأكثرية النيابية النسبية (٥٣ صوتا) قد أعطت ميقاتي مهمة تأليف الحكومة، فان على رئيس الجمهورية أن يرضخ لذلك طبقا لقواعد اللعبة البرلمانية وأصولها.

العونية السياسية وتفريدتها السمجة أي «الباسيلية» تشرف على نهايتها، وقد يكون ممكنا انتظار نهايتها شهرين آخرين، ما ليس ممكنا أو مقبولا هو محاولة مساومتها أو استنهاضِها أو تجديد حيويتها وشبابها.