IMLebanon

مع السلامة… يا لبنان الجميل!

ما أسرع طيران الأيام التي تمرّ مرّ السهام! لقد مضت ثلاث سنوات على تولّيّ مهمة السفير الصيني لدى لبنان، أشعر بأنني جئتُ الى لبنان أمس، وما زلتُ أذكر يومَ وصولي. ولكنّ مهمتي تنتهي الآن وحان الوقت لألوّح بيدي… وداعاً للبنان الجميل.

دائماً أُسأل، كيف وجدت لبنان خلال هذه السنوات الثلاث؟

وإجابتي هي أنّه يشرّفني جداً أن أكون السفير الصيني لدى لبنان. والأيام التي أمضيتها هنا مليئة بالسعادة والانجازات، وتجربتي جعلتني أعشق هذا البلد.

أحب لبنان الذي يمتلك ثروات طبيعية وافرة تتمثّل في جباله الثلجية الشامخة وسهوله المثمرة بالمحصولات وبحره الأزرق المترجرج، وكلها تشكّل صورة متميّزة على هذه الأرض. يمكنك أن تبدأ يومك برحلة تبدأ بالتزلّج على الجبل صباحاً، وتنتهي بالسباحة في البحر مساءً خلال يوم واحد فقط.

لقد زرت أماكن لبنانية كثيرة وانغرمت في مشاهدها الطبيعية الخلابة.

أحب لبنان أيضاً بفعل تاريخه العريق وحضاراته المتنوّعة. لقد زرت هياكل بعلبك ومدينة جبيل القديمة ومدينة صور القديمة وقلعة صيدا وغيرها من الآثار القديمة والأماكن الشهيرة، فدُهشتُ بتاريخها والثقافات الكامنة فيها. والشعب على هذه الأرض هو مَن خلق هذه الحضارات الساطعة وسجّل صفحة باهرة في تاريخ لبنان، حتى نال مكانة بارزة في الحضارة العالمية بمساهماته الفاعلة.

فضلاً عن ذلك، أحب لبنان خصوصاً شعبه الصديق المتحمّس. فخلال مدة خدمتي في لبنان تعرفت إلى أصدقاء من الأوساط اللبنانية كافة، وشعرت بالمحبة والمودة التي يكنّها الشعب اللبناني تجاه الصين.

ولم اشعر بأيّ غربة على رغم وجودي في بلد أجنبي، لأنه خلال فترة إقامتي هنا على مدى ثلاث سنوات، أعيش دائماً في جوٍّ ودّي، إذ قُوبلت بترحيب حار وحفاوة كريمة أينما ذهبت، وكثير من اللبنانيين يحيونني بالكلمة الصينية «ني حاو» (يعني أهلاً وسهلاً بك).

قضيت فترة إقامتي في لبنان بسعادة وفرح، وقد أرست هذه المشاعر الصادقة والودّية حجر الزاوية بثباتٍ أكبر وبقوة دافعة لعلاقاتٍ قوامها الديمومة بين البلدين، وهي تجسّد أفضل تفسير للقول الصيني بأنّ العلاقات بين البلدان أساسها المودة بين الشعوب.

ومن خلال زياراتي أرجاء لبنان والاتصالات التي قمت بها مع مختلف الأوساط اللبنانية، لمست الأمنية المشتركة من صميم قلب الشعب اللبناني، ألا وهي التطلّع إلى تحقيق مزيد من الإنجازات في العلاقات بين الصين ولبنان، بما يخدم مصالح الشعبين.

جميع اللبنانيين سواء أكانوا المسؤولين الحكوميين وزعماء الأحزاب أم الشخصيات من الأوساط الإعلامية والاقتصادية والمالية مهتمون بتطوير علاقات الصداقة والتعاون بين الصين ولبنان، وذلك هو ما يسرّني ويرتّب على عاتقي مسؤولية ورسالة عظيمة.

أثناء السنوات الثلاث هذه، بذلت جهوداً جدّية ودؤوبة وإيجابية مع كلّ زملائي في السفارة الصينية من أجل المضيّ قُدماً في تعزيز العلاقات الصينية اللبنانية.

وبفضل الجهود المشتركة للجانبين الصيني واللبناني، العلاقات بين البلدين هي في أفضل فترة في تاريخها، بحيث إنني أفتخر بما شهدته من تطوّرات للعلاقات الثنائية في المجالات الواردة أدناه بصفتي سفيراً لدى لبنان.

– الثقة السياسية المتبادلة تتعمّق باستمرار. إذ يتبادل الجانبان الصيني واللبناني الزيارات على مختلف المستويات بصورة مكثفة، كما يتبادلان الفهم والدعم في القضايا المتعلّقة بالمصالح المحورية والهموم الكبرى لدى الجانب الآخر، ويحافظان على التنسيق والتعاون الدائمين في الشؤون الدولية والإقليمية.

– العلاقات الاقتصادية والتجارية تتقدم باضطراد. قد بلغت قيمة التجارة المتبادلة بين الصين ولبنان ٢،٠٨ مليار دولار أميركي في العام الماضي، حيث تبقى الصين أكبر شريك تجاري للبنان لثلاث سنوات متتالية.

وانعقدت الدورة السادسة لمؤتمر رجال الأعمال لمنتدى التعاون الصيني العربي في بيروت بنجاح، حيث تباحث أكثر من ٥٠٠ رجل أعمال صيني وعربي في سبل تعزيز التعاون والتشارك لبناء «الحزام والطريق» (يعني الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري فى القرن الـ21).

وتواصل الصين تقديم مساندات متنوّعة إلى لبنان لدعم تنميته الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها إضاءة الشوارع بالطاقة الشمسية والمعدات الطبية والمستلزمات المكتبية ومركبات وغيرها. كما توجّه المختصّون في مختلف المجالات إلى الصين للدراسة أو الزيارة، بشكل أضفى التعاون في تنمية الموارد البشرية لمحة جديدة في العلاقات بين البلدين.

– التبادلات الثقافية والتعليمية تتطوّر بازدهار. تمّ تنظيم معارض فنّية بين الدولتين وقد زارت لبنان شخصيات صينية من الأوساط الأدبية والفنّية وقدّمت عروضا ًعديدةً في لبنان، وزارت الصين فرقة كركلا اللبنانية وقدمت عروضاً بدورها في الصين.

وتوجّهت شخصيات لبنانية من الأوساط الأدبية والفنّية والتعليمية إلى الصين للمشاركة في فعاليات عدة منها «الجولة الثقافية في طريق الحرير» وورشات في مجالات الفن والإذاعة والإعلام والتراث والطب الصيني التقليدي. ويواصل الطرفان الصيني واللبناني تبادل بعثات الطلاب بينهما.

ويسرّني أن أرى الرغبة المتصاعدة للشعب اللبناني فى دراسة اللغة الصينية واهتمامه المرتفع بتعلّم الثقافة الصينية. وقد مرّت 10 سنوات منذ تأسيس معهد كونفوشيوس في جامعة القديس يوسف، الذي يُعدّ أوّل معهد من نوعه في الشرق الأوسط. وتوجد محاضِرة للغة الصينية في بعض الجامعات اللبنانية مثل الجامعة الأميركية في بيروت، وقد فتحت الجامعة اللبنانية تخصص اللغة الصينية.

والجدير بالذكر أنّ الصين كعضو دائم في الأمم المتحدة ودولة كبيرة تتمتع بروح المسؤولية، تتشارك في صيانة السلام العالمي، ولا سيما مشاركتها بنشاط فى عمليات اليونيفيل لحفظ السلام لمدة طويلة، وقد شهدت السنوات الثلاثة الماضية زيادة ملحوظة في كثافة المشاركة.

في الوقت الراهن، يلتزم أكثر من 400 فرد من قوات حفظ السلام الصينية بإزالة الألغام والخدمة الطبّية والبناء وغيرها من المهام في المنطقة الحدودية، الأمر الذي هو محطّ إشادة وتقدير من قبل اليونيفيل والحكومة اللبنانية والناس المحليين.

وكما يقول أحد الشعراء العرب «محبتنا كنسيم الربيع»، لقد جئت إلى لبنان الجميل فى فصل الربيع قبل ثلاث سنوات. واليوم، أقول «مع السلامة» للشعب اللبناني بمشاعر تعزّ على الفراق، كما أقول «شكراً للشعب اللبناني لعواطفكم الودّية تجاه الصين ولمساعدتكم المفيدة لي.

على رغم أنني على وشك مغادرة لبنان، ستكون السنوات الثلاثة الماضية خلال إقامتي فى لبنان ربيعاً دائماً في ذاكرتي. أينما أكن، سأهتمّ بلبنان باستمرار وسأواصل جهودي لتطوير العلاقات بين البلدين.

وأتمنّى مزيداً من الجمال للبنان في المستقبل وأن يأتي نسيم المحبة بين الصين ولبنان بمزيد من الفوائد لمصلحة الشعبين الصديقين!