ما كان لأيام قليلة خلت حكراً على «المجالس بالأمانات» بات جزءا من «الغسيل السياسي» وعلى السطوح…
تكثر الأسئلة والتساؤلات حول الدوافع الحقيقية من دعوة الرئيس نبيه بري الى «حوار الإنقاذ»، وهل هي فعلاً نتاج إتصالات أجراها مع سفراء معتمدين لدى لبنان وأخرى بواسطة الهاتف مع قيادات في الخارج، ولقاءات في الداخل، أعطته زخماً لم يكن يتوقعه عززت لديه قناعة بأن لا بديل عن القطيعة سوى اللقاءات، ولا بديل عن إنسداد آفاق الحلول للأزمات المتراكمة سوى الحوار، وليس أي حوار، بل «حوار الإنقاذ»؟!
بعد الذي حصل على إمتداد الأيام الماضية، لم يصل الرئيس بري الى مرحلة «لعنة الساعة» التي قرر فيها الخروج عن مألوفه في «يوم الأربعاء النيابي» المحصور بمقربين منه ومن خطه السياسي، وتحويل الأربعاء الى جامع يضم كل المكونات السياسية في الواقع اللبناني…
«قفزة في فراغ» يقول البعض، وهم يتابعون عن كثب السجالات المتواصلة بين أفرقاء اساسيين من مكونات الحوار الموعود… ومع ذلك فلم يتسرب اليأس الى نفس «أبو مصطفى» الذي قرر أن يمشي «عكس التيارات» المتصادمة.
لا يبدي راعي الحوار أية خشية من الحشودات الشعبية المتوقعة يوم غد، تحيط بساحة النجمة، حيث مقر مجلس النواب… لكنه يرفض أن يريد ظهره، و «المندسون» و «العابثون» و «أصحاب المصالح» ينتظرون فرصة، وهو كان «أحب على قلبه أن يلتقي قيادات «الحراك الشعبي» ويقف منهم على ما يريدونه بالضبط، ويقول كل ما عنده…»
نقل متابعون عن الرئيس بري استعداده للخروج الى ساحة الإعتصامات الشعبية، ولا يجد حرجاً، «لكن ماذا بيده أن يفعل، وماذا لديه ليقدم وما سيقول والمؤسسات من أعلاها الى أدناها مروراً بأوسطها في شلل شبه تام…»؟!
«الرجل»، بات على قناعة، «ان الوقت ليس وقت حلول… هو وقت إنتظار حلول…»، و «إن اللّه مع الصابرين..»؟!
تكفي نظرة واحدة الى الذين سيجلسون حول طاولة الحوار الموعود.ويدقق في «الهويات السياسية» و «المواقف» وما يمثله كل فريق وطرف وكتلة لتظهر النتائج من قبل أن يقف الجميع إحتراماً للنشيد الوطني الذي ستفتتح به الجلسة… ويردد الجميع «كلنا… على الوطن…»؟
المعطيات المتوافرة، لا تخفي أن إستجابة الغالبية لدعوة الحوار، هي إستجابة جدية و «نابعة من القلب»، خصوصاً أن احداً لن يخسر شيئاً، وهو يفرغ ما في صدره ويقول ما عنده ويتمسك به، متمترساً خلف مكامن القوة التي لديه ولا يجد سبباً لتقديم الحد الأدنى من «التنازلات»، التي تعيد الثقة الى طاولة الحوار. المعززة « بتأييد دولي وإقليمي وعربي»؟! لابعاد لبنان ما أمكن عن تداعيات الأزمات الإقليمية والحفاظ على الحد الأدنى المطلوب، في الأمن والإستقرار؟!
في القراءات الجادة، فإن ما ستؤول إليه جلسة، أو جلسات الحوار، لن تتعدى حدود تلبية الرغبات والتمنيات التي تنهال على الأفرقاء السياسيين، بوجوب الحفاظ على لبنان بعيداً عما تشهده العديد من دول المنطقة… فمن المبكر الحديث عن حلول لأزمة الشغور الرئاسي في لبنان، واستعادة عمل المجلس النيابي، واستعادة عمل مجلس الوزراء، والبحث عن ماهية قانون الإنتخابات النيابية؟! إضافة الى «قانون استعادة الجنسية، وقانون اللامركزية الإدارية». والحرب في اليمن الى تصاعد لافت، و «الإتفاق النووي» لم تتظهر تداعياته بعد إتفاقات حلول لما يجري في اليمن، تقابلها حلول لمأساة سوريا وقد تعددت السيناريوات ليقطف لبنان لاحقاً «ثمرة التوافق الدولي – الإقليمي»…
من أسف، أن الذين سيجلسون الى طاولة الحوار، وقد تعززت بمزيد من الكراسي، باستثناء واحدة ستبقى شاغرة، يعرفون بعضهم البعض، أكثر من أي أحد آخر… «قابرين الشيخ زنكو سوا…» هم أنفسهم في حكومة واحدة… وفي مجلس نيابي واحد مدّد لنفسه بحجة «الظروف الإستثنائية»… يصبحون ويمسون وواحدهم في مواجهة الآخر، يعيد تكرار المواقف… مجلس نيابي يفترض أن يكون الوعاء الأكثر صدقية في تبادل الآراء والمواقف، وبت الملفات… لكن ما العمل، فالمجلس موقوف عن العمل، ولا يقوم بالحد الأدنى من المهمة التي أؤتمن عليها… وأعضاؤه يتقاضون مليارات الليرات من جيوب اللبنانيين؟! أما الحكومة فحّدث ولا حرج بعدما تحولت من حكومة الـ 24 وزيراً الى حكومة الـ 24 رئيساً…
السؤال الذي يلح على أذهان اللبنانيين هو ما الجديد الذي ستأتي به طاولة الحوار هذه، واركانها معروفون، ومواقفهم معروفة؟ وهل ستحل النعمة السماوية بأن يفرج المعنيون عن مصادرة موقع رئاسة الجمهورية لصالح الشغور؟ وهل يتحمل البلد المزيد من الأزمات المتراكمة والحكومة عاجزة عن القيام بأبسط واجباتها، ومن فيها منشغل بجدل لا ينتهي حول أيهما أولاً… بيضة الأولويات أم دجاجة التعيينات… وكذلك بالنسبة الى الحوار الرئاسة أولاً أم الإنتخابات؟
في قناعة البعض، أنه يكفي أن يجلس الأفرقاء إياهم حول طاولة واحدة، وجهاً لوجه، ليكون «النعيم» حل على البلد؟! وهذا قمة تفريغ الحدث من أهميته، والكل يعرف أن كلمة السر «ليست في جيب أحد، وهي تنتظر إشارات الخارج لتقلع؟! والكل «يغني على ليلاه» ويستعيد شريط ما حصل سابقاً حتى لا يقع في «التجربة» من جديد؟!