Site icon IMLebanon

حوار بيزنطي

عشية إنعقاد طاولة الحوار التي دعا وحضّر لها الرئيس نبيه برّي مع أركان الطبقة السياسية التي يطالب الحراك المدني برحيلها بسبب فسادها الذي أفسد كل شيء في الدولة ونتيجة فشلها المروع في إدارة السلطة والتي أوصلت البلد وشعبه إلى حافة الإنهيار، عشية إنعقادها، تبدو الصورة قاتمة عبّرت عنها ردود فعل الشارع الذي رأى في انعقادها، محاولة التفاف على الحراك الشعبي، لتطويق مطالبه المحقّة من جهة، ومحاولة توحيد هذه الطبقة على الأقل في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن، كما عكسها الإختلاف المسبق حول أولوياتها بعد مبادرة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع إلى مقاطعتها إلا في حال تحقق شرطان هما أن تكون الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية وأن يتعهّد حزب الله بحضوره عبر نوابه جلسة انتخاب الرئيس، والمفارقة أن هذين الشرطين تبنتهما كل مكوّنات قوى 14 آذار في الوقت الذي كانت مكوّنات 8 آذار تتحدث عن شرخ داخل 14 آذار أحدثه موقف رئيس القوات اللبنانية المغاير لمواقف باقي مكوّناتها وفي مقدمها موقف تيّار المستقبل الذي كان رئيسه سعد الحريري أول المرحّبين بدعوة برّي إلى الحوار.

ليس مستغرباً أن تلتزم قوى الرابع عشر من آذار بإعطاء الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية ما دامت التطورات التي شهدها ويشهدها لبنان في ظل استمرار الشغور الرئاسي قد أثبتت أنه لا إستقرار للأوضاع الداخلية المأزومة إلا بحل هذه المشكلة والإتفاق على ملء مقعد رئاسة الجمهورية كونه يُشكّل المدخل العريض لحل كل المشكلات القائمة ومن دون ذلك سوف تستمر هذه المشاكل وتتفاقم على مستوى الشارع يوماً بعد آخر وما الدعوة إلى التظاهر ومحاصرة الذين سيجتمعون يوم الأربعاء في ساحة النجمة إلا خير دليل على تصميم المجتمع المدني على مواجهة هذه الطبقة التي أعلنت إفلاسها وعجزها عن استنباط الحلول اللازمة للأزمة التي يعيشها الشعب والتي عبّر عنها في رفضه لهذه الطاولة التي سبق أن اجتمعت عدّة مرات وتوصلت إلى قرارات بقيت حبراً على ورق بعدما تنكّر لها فريق حزب الله بكل أجنحته ومنها التيار الوطني الحر بقيادة العماد عون الذي يدّعي أنه المدافع الأول عن حقوق المسيحيين وعن المشاركة الحقيقية في السلطة.

وبدلاً من أن يصغي الرئيس برّي لشروط الرابع عشر من آذار بإعطاء الأولوية لانتخاب رئيس كونه يُشكّل مدخلاً لحل معظم الأزمات التي يتخبّط بها البلد بدءاً باستعادة إنتظام المؤسسات الدستورية من خلال تشكيل حكومة جديدة وإجراء إنتخابات نيابية تجدد شباب الطبقة السياسية من جهة وتهدئ الشعب اللبناني باستعادة دوره في اختيار ممثليه الفعليين، إعتبر انتخاب الرئيس أحد بنود جدول الطاولة، وليس البند الأساسي، بمعنى أنه إذا لم يتم الاتفاق عليه ينتقل المشاركون إلى درس البنود الأخرى المدرجة مثل قانون الإنتخابات، وتفعيل عمل مجلس النواب والحكومة ما من شأنه الدخول في جدل بيزنطي لا يؤدي إلا إلى مزيد من تعميق الهوّة ومزيد من الخلافات حول جنس الملائكة في الوقت الذي تتسع فيه دائرة الحراك الشعبي التي لا تثق في الأساس بهذه الطبقة وبالأحرى سحبت ثقتها منها ووجدت في الشارع السبيل الوحيد للتخلّص منها.