موسوعة ويكبيديا عرفت الجدل البيزنطي بأنه نقاش لا طائل تحته، يتناقش فيه طرفان دون أن يقنع أحدهما الآخر، ودون أن يتنازل كلاهما عن وجهة نظره، مما يؤدي الى اختلال في التوازن الفكري لدى أحد الطرفين، أو ربما كليهما… وما حدث في الجلسة الأخيرة للحوار الوطني في لبنان ينطبق عليه هذا التعريف حرفياً. وتركيبة مجلس الحوار الوطني تشبه مجلس الشيوخ البيزنطي، والفارق بينهما هو في موضوع النقاش. وكان الجدل البيزنطي يدور حول جنس الملائكة وهل هو ذكر أم أنثى. أما الجدل اللبناني فكان يدور حول جنس قانون الانتخاب وهل هو نسبي أو أكثري، وتالياً أيهما أولاً: انتخاب رئيس الجمهورية أو انتخاب المجلس النيابي؟..
***
كانت هذه الجدليات تلهب الأجواء بين البيزنطيين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والفكرية، وتفرّق بينهم، وتقسمهم الى شيع وأطياف متنازعة. وهذا ما يحدث مثيل له طبق الأصل في لبنان. وهذه الجدليات تلهب الأجواء بين اللبنانيين وتفرق بينهم، وتقسمهم الى شيع وأطياف متنازعة بين ١٤ و٨ آذار، وبين سنّة وشيعة، وبين معتدلين ومتطرفين، وبين مسيحيين متحالفين بين عونيين وقوات من جهة ومنافسين من سائر الأطياف المسيحية الأخرى من جهة أخرى، وهكذا… وكما كانت المخاطر الخارجية تحيط بالامبراطورية البيزنطية وتهددها بغزو خارجي، كذلك هي الأخطار التي تهدد لبنان اليوم، وبما هو أكثر من الغزو!
***
الامبراطوري البيزنطي قسطنطين الثاني الذي كان لديه من الحكمة ما جعله يرى فداحة هذا الواقع المزري والعقيم، حاول اخماد هذا الجدل بإصدار مرسوم في أواسط القرن السابع بحظر الجدليات الفارغة وفرض عقوبات تصل الى طرد القساوسة المخالفين من الكنيسة، والفصل من الوظيفة ومصادرة الأملاك، وغير ذلك. أما في لبنان حيث يتوافق الجميع على وصف الرئيس نبيه بري بأنه امبراطور الحوار، فقد حاول في الجلسة الأخيرة للحوار أن يخمد الجدليات الفارغة التي تقسم المجتمع السياسي، وطرح أفكاراً لتوحيده حول أحد ثلاثة خيارات. غير أن الرئيس بري ليست لديه السلطة القانونية لفرض عقوبات على المخالفين مثل الطرد والفصل والمصادرة… فلا حول ولا قوة الا بالله!
***
على الرغم من كل العقوبات فقد استمرت الجدليات في بيزنطية من القرن السابع والى القرن الخامس عشر! ومن قسطنطين الثاني الى قسطنطين الحادي عشر، كان مجلس الشيوخ لا يزال مستمراً في جدلياته البيزنطية حول جنس الملائكة وحجم ابليس، ولم يتوقف عنها الا عندما اجتاح الجنود العثمانيون بقيادة السلطان محمد الفاتح أسوار المدينة واحتلوها كما احتلوا مجلس الشيوخ! والسؤال هو: الى متى سيستمر الحوار البيزنطي في لبنان حول الانتخابات النيابية والرئاسية؟ وهل سيستمرون في ذلك الى أن تجتاحهم قوات الغزو الاسرائيلي آتية من الجنوب؟ أو غزو قوات داعش وأخواتها آتية من الشرق والشمال؟!