Site icon IMLebanon

هل يمكن «تسييل» قرارات مجلس الوزراء؟ وكيف؟

 

 

تمكّن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من النفاد بجلسة مجلس الوزراء مُستعيناً بحقوق المستشفيات والمرضى ومطالب العسكريين والمتقاعدين، بعدما تلقّى ضوءا ساطعا من «الثنائي الشيعي». وبعد سقوط رهانه على مجموعة من الوزراء لم يصدق منهم سوى وزير الطاشناق جورج بوشكيان، وجّه ميقاتي ضربة قاسية الى رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي استنجد بـ«النبرة المذهبية» وهو ما أوحى بمواجهة من نوع آخر سيخوضها مع ثنائية «سنية ـ شيعية». وعليه، هل يمكن تسييل قراراتها؟ وهل تنعكس على مسار انتخاب الرئيس؟

كان متوقعاً ان تنعقد جلسة مجلس الوزراء امس بالحد الأدنى المطلوب من النصاب القانوني والسياسي في ظل موازين القوى التي قادت إليها في شكلها ومضمونها وتوقيتها. وقد ثبت ذلك منذ أن تجاهَل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مضمون بيان الوزراء التسعة الذي صدر قبل أقل من 24 ساعة على موعدها وهدّد دستوريّاً بتعطيل الدعوة لمجرد ان تضامن الثلث زائداً واحداً من اعضاء الحكومة في مقاطعتهم للجلسة قبل ان تظهر هشاشة التحالف فيما بينهم فتأجّل تطييرها، سواء بسحب الدعوة اليها او تعطيل لنصابها لو لم يكتمل في الموعد المحدد لها.

 

ليس صعباً على مَن واكَب التحضيرات التي سبقت الجلسة ان يتفهّم الدوافع اليها وان اختلفوا حول ما يمكن تحميلها من رسائل في اكثر من اتجاه بين أطراف المنظومة الذين تجمعهم مكوّنات الحكومة او تلك التي يمكن ان تنشأ بعدها ان تطورت المواقف مما توصّلت اليه من قرارات، سواء بهدف ترجمتها او العكس ان نجح مَن نَوى تعطيلها باستعادة المبادرة بعد الجلسة، ففي يد الطرفين اكثر من سلاح.

 

وقبل الدخول في انواع الاسلحة التي يمكن استخدامها لتعطيل المراحل التنفيذية لما تقرر او تسهيلها، لا بد من تسجيل مجموعة المفارقات المتعددة الوجوه التي نتجت منها او تلك التي كرّستها. فقد كان رهان رئيس الحكومة مبنياً على مشاركة ما بين 19 الى 20 وزيرا قبل ان يضمن النصاب القانوني «على الزيح»، بمعزل عن موضوع الميثاقية عقب مشاركة مجموعة من الوزراء المسيحيين الذين أبعدوا هذه الصفة عن الجلسة من دون ان يضمنوا تنفيذ ما تقرّر على أهميته على اكثر من صعيد امني وسياسي واجتماعي وطبي وإنساني.

 

وعليه، بات الجواب على ايّ من الخيارَين سيفوز في النهاية، متوقّف على طريقة التعاطي مع المراسيم التنفيذية وهوية من يجب توقيعها. ذلك انّ من بين الوزراء الذين قاطعوها دوراً لا يمكن تجاهله في التعويض عن غياب رئيس الجمهورية الذي يحق له وحده توقيع المراسيم وإصدارها بعد ان يوقّعها رئيس الحكومة والوزير او الوزراء المختصّين بمضمون اي مرسوم منها ووزير المال، طالما انّ معظمها يرتّب إنفاقاً من المال العام لتوفير ظروف تطبيقها واستكمال مفاعيلها الدستورية.

 

وعند هذه النقطة بالذات يطرح السؤال حول ما إن كان سينجح رئيس الحكومة في إصدار المراسيم مُكتفياً بتوقيعه وتوقيع الوزير المختص ووزير المال وهو ما ليس مضموناً حتى اليوم. فبعض ما تقرر يحتاج الى توقيع وزراء غابوا عن الجلسة. فالقرارات الخاصة بالمستشفيات وتمويلها قد يكون مضموناً بوجود وزير الصحة فراس ابيض في الجلسة، أما بالنسبة الى القرارات الخاصة بالعسكريين في الخدمة الفعلية او المتقاعدين هل يمكن ان تمر من دون توقيع وزير الدفاع العميد موريس سليم الذي جاهَر بمقاطعة الجلسة ورفضَ إعطاءها الشكل الدستوري والقانوني الذي يكرّس شرعيتها الكاملة.

 

لا يخفى على احد ان لدى رئيس الحكومة، وقبل ان تنتقل الى حكومته صلاحيات رئيس الجمهورية، فتوى دستورية أعدّها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية تقول بعدم الحاجة الى توقيع الوزراء كافة عليها في غياب رئيس الجمهورية، ويكتفى بتوقيع الوزير المختص ووزير المال ورئيس الحكومة. وهو رأي باتَ منذ الكشف عنه معاكساً للاجتهاد الدستوري الذي يقول ان مجلس الوزراء مجتمعاً أحيلت اليه صلاحيات الرئيس بالإنابة ولا يقف الأمر بالنسبة الى توقيع الرئيس عند رئيس الحكومة والوزراء المعنيين فحسب.

 

وعليه، طرح السؤال هل من الممكن ان ينجح رئيس الحكومة في تسييل القرارات التي صدرت عن الجلسة وتطبيقها وفقاً لرأي مكية؟ ام انه سيعود الى الصيَغ التي اعتمدتها حكومة الرئيس تمام سلام في ادارتها لمرحلة خلو سدة الرئاسة بين 25 ايار 2015 و31 تشرين الأول 2016 حيث طلب من الوزراء جميعهم توقيع أي مرسوم بالإنابة عن رئيس الجمهورية وهو ما يفرض اعادة جَمع تواقيع المشاركين في الجلسة والمقاطعين معاً على كل مرسوم؟ وماذا لو لم يتم تأمين ذلك؟ فهل يبقى كل ما تقرر حبراً على ورق؟

 

وعدا عن هذه القراءة الدستورية والقانونية لما انتهت إليه جلسة مجلس الوزراء يبقى البحث عن الرسائل السياسية التي حفلت بها الجلسة محكوماً بمجموعة من وجهات النظر التي لم تكتمل فصولها بعد. فالطبخة ما زالت على النار ولم تبرد بعد الرؤوس الحامية التي قادت المواجهة، سواء تلك التي فازت بعقد الجلسة او تلك التي فشلت في تعطيلها مع بروز عدد مما لا يُضيء على كل الحقائق التي حفلت بها الساعات الاخيرة التي سبقت انعقادها وما رافَق ضمان ذلك.

 

وعليه، ان قيل انّ ميقاتي حقّق ما أراده من المواجهة مع الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون وتياره، فليس مضموناً القول انه حقق «المعجزة» بمفرده. فهناك أدوار لوزراء «الثنائي الشيعي» وحزب الطاشناق الذي تبرّأ أمينه العام من وزيره محمّلاً إيّاه مسؤولية اتخاذ القرار على عاتقه، علماً انه من حلفاء الحزب وليس منتظماً في صفوفه. وثمة من يقول انّ موقف الوزير بوشيكيان أعفى «الثنائي الشيعي» من خطوة كان لا بد منها للتعاطي مع من يمثّل الحزب اللبناني الديموقراطي وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين لو احتاج الأمر الى ذلك قبل ان يصطفّ الى جانب وزراء عون والتيار. ولذلك لم ير نفسه مضطراً الى القيام بأي مراجعة او مجرد سؤال بعدما ضمن ميقاتي النصاب من مواقع أخرى، علماً انه كان يعتقد ان ذلك سيكون ممكناً بمشاركة اكثر من وزير واحد مُستغنياً عن شرف الدين الذي لا شك في انّ ميقاتي لم يكن يرغب في ان يكون مُشاركاً في الجلسة من دون البحث عن مصير النصاب القانوني لألف سبب وسبب.

 

عند هذه المفارقات التي أعطت ما قبل الجلسة اكثر من لمسة انتظار وتشنّج وتشويق قبل الكشف عن وجود «الوزير الملك» جورج بوشكيان في غرفة الأمين العام لمجلس الوزراء، فإنّ ذلك سيبقى قائماً للفترة الفاصلة عن جلسة انتخاب الرئيس. فثمة انقسام بين النظرة الى تأثيرات غامضة لا بد من ان تظهر قبل انعقادها في مقابل أخرى تقول إنّ معالجة ذيول جلسة الأمس لن تقدّم ولن تؤخر، وان الحديث عن «ثنائية سنية ـ شيعية» هو مؤقت. وان صَح القول انّ الحلقة التاسعة من مسلسل جلسات الخميس الرئاسية ستكون الاخيرة لهذا العام ليقفل رئيس المجلس ساحة النجمة الى السنة المقبلة، فإلى حينه يخلق الله ما لا تعلمون