ليس سهلاً أن يكون توقيع مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، إذا حصل، آخر تواقيع رئيس الجمهورية ميشال عون في عهده المتهالك، الذي قضى سنواته الست، بالمماحكات والمعارك العبثية، واستعداء الحلفاء والخصوم.
من الطبيعي أن يحاول رئيس الجمهورية وصهره «المحبوب»، استثمار هذا التوقيع، بتناتش اكبر الحصص والمغانم، في آخر الحكومات. ولكن كيف؟ وجبران «متعفف» بالاعلام عن المشاركة، و«مستقتل» حتى الرمق الاخير لولوج عتبة ما تبقى من مغارات علي بابا قبل الرحيل.
لم تكن مستغربة، ردة الفعل العونية المربكة على مبادرة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي السريعة، بوضع التشكيلة الوزارية بين يدي رئيس الجمهورية، بلا مقدمات أو طنين ورنين.
فهل اصبحت، السرعة بتقديم التشكيلة الوزارية لرئيس الجمهورية غلطة، بمستوى الخطيئة، لافتعال كل هذا الضجيج السخيف، وأين مخالفة الرئيس المكلف للدستور في هذا الطريق؟
الآن، التشكيلة الوزارية اصبحت حقيقة، بين ايدي الرئيس، لا يلغيها تسريب مفخخ من هنا، او ضجيج فارغ من هناك، ومسؤولية الرئيس توجب عليه الرد بخيار من ثلاثة:
اولها: التريث بالتوقيع، للتمعن بهويّة المتوزرين، واوزان الحقائب، وتوزيعاتها، وما اذا كانت للمستحقين، الاقربين، او المنتفعين. هذا من حق الرئيس، وصلاحياته التي لا يمسّها طامع او شرير، وليست موضع مساومة او تشكيك.
ثانيا: حبس التشكيلة ضمن اسوار الرئاسة الى ما شاء الله، لابتزاز الرئيس المكلف حتى الرمق الاخير، بتجاوز الدستور والصلاحيات، بغربلة المستوزرين المنبوذين، وتطعيمها بالمحظيين المبعدين عن الطاقة الذهبية، ومكنوناتها بالتنقيب والتلزيم، وتكاد عتمتها تشلُّ حياة البلد واللبنانيين.
ثالثا: التشاور مع الرئيس المكلف بالتشكيلة الوزارية، حسب الاصول، والبت فيها بالسرعة الممكنة، بعيدا عن النكايات، والحسابات السياسية الضيقة، لاستكمال متطلبات الخروج من ظلمات الازمة ودهاليز الانهيار المشين.
الانتفاضة العونية المفاجأة، لان التشكيلة، اصبحت بين ايدي الرئيس، بعيدا عن غربال الصهر الكظيم، وفساده اللعين.
من الصعب على العهد المكابرة، في آخر أيامه المثقلة بالفشل وتخريب الدولة والمؤسسات والهروب الى الامام، بجرجرة عملية التشكيل الى شروط وافخاخ الوريث.
وكذلك الامر على الصهر الذي خرج من منازلة الانتخابات مضرجا، بخسارة اكبر كتلة كان يستقوي فيها على الجميع، بالرغم من كل رافعات الدعم ومقويات الحليف.
التشكيلة الوزارية، احرجت الفريق اللصيق، ووضعت رئيس الجمهورية امام الامتحان اليقين، امام الناس والخارج اجمعين. فإصراره على رفض التشكيلة بالكامل، بإيحاء من صهره المهين، دونه مخاصمة القريب والبعيد. تراكم الفشل والخراب الى منزلق الجحيم، بلا حسيب او معين. ولن تنفع معه كل معارك الإلغاء والتدقيق، بعدما خسرا معركة تسمية رئيس الحكومة العتيد، بتأييد فاقع من حليفهم الوحيد.
الآن، حان وقت تحديد الخسائر، والاجدى لرئيس الجمهورية وصهره، استبدال اساليب المماطلة والتعطيل، بقبول ما يحق له من بقايا الحصص والمغانم، بلا مقايضات وابتزاز، والاسراع بالتوقيع على مراسيم التشكيل، بعدما تبدلت الظروف والوقائع، ولم تعد الحاجة للتحالف معه، كما كانت قبل حين، ولأن حجب التوقيع الاخير على التشكيلة، الى ما لا نهاية لا يفيد بعد جفاف حبر الرئيس.
التوقيع الاخير للرئيس على مراسيم تشكيل الحكومة الاخيرة في نهاية العهد الهالك، اذا حصل صعب ومرير، لا يشبه بقية التواقيع، هو كالطلقة الاخيرة، يستحق عناء المساومة والزعيق، الى حين. فكيف اذا لم يكن موقع الوريث ممهورا بضمانة الحليف؟ ولذلك، لا غرابة في الذعر والضجيج، قبل الرحيل.