امام الحكومة معضلة ادارة الحكم لا مشكلة ائتلاف القوى التي تتمثل فيها. بل تصير اقرب ما تكون الى حكومة على الورق، منها الى سلطة اجرائية لا تقتصر على صلاحيات مجلس الوزراء، بل تتنكب تلك التي لرئيس الجمهورية
بانقضاء سنة من عمر حكومة الرئيس تمام سلام، ها هي تخفق في امتحان آلية ادارتها الشغور في غياب رئيس الجمهورية. ليست المرة الاولى تستخدم هذه الآلية بعد تجربة عامي 2007 و2008، لكنها كذلك اذ تتحوّل عبئاً على نفسها اولاً واخيراً. بعض وزرائها يصفون ذواتهم بأنهم وزراء من ورق لأنهم لم يشأووا، على مرّ الاشهر المنصرمة، على غرار زملائهم رفع اصبعهم باستخدام الفيتو: مرة عند اعداد جدول الاعمال، ومرة ثانية عند مناقشة بنوده وعدم التصويت عليها، ومرة ثالثة عند التهديد برفض توقيع مراسيم الاصدار.
بحسب احد وزرائها، يقتضي بعمرها الافتراضي ان ينتهي في 25 ايار الماضي مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وتوقع انتخاب خلف له. بيد ان الحكومة استمرت تحت وطأة ائتلاف بالاكراه ضاعف الشغور الرئاسي من اثقاله. سرعان ما لمس سلام، بانقضاء اشهر على التجربة الجديدة المزدوجة الدور، ان حكومته لا تستطيع الاضطلاع بدورها كمجلس للوزراء، ولا هي قادرة على حمل اوزان صلاحيات رئيس الجمهورية وقد باتت في عهدتها. لم يتردد في الافصاح عن امتعاضه واستيائه. الا ان من الصعوبة بمكان توقّع انتزاعه من الوزراء آلية تمرّسوا في استعمالها تسعة اشهر، واحالت مجلس الوزراء اقرب الى مجمع او مجلس رئاسي لا يمكن تجاوز اي من اعضائه.
عندما وجد حكومته وجها لوجه امام الشغور الرئاسي، اختار سلام قاعدتين لآلية حكم المرحلة الانتقالية ريثما ينتخب رئيس للجمهورية:
اولى، وضعه جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء وارساله الى الوزراء قبل 72 ساعة من انعقاد الجلسة، والتوافق سلفا معهم على مقاربة بنود جدول الاعمال. وهو بذلك مدد المهلة المنوطة به لاعداد جدول الاعمال عملاً بصلاحيته الدستورية والنظام الداخلي لمجلس الوزراء لاطلاع الوزراء عليه، بعدما ورثوا مجتمعين صلاحيات رئيس الجمهورية. ولان رئيس مجلس الوزراء ملزم اطلاع رئيس الجمهورية مسبقا على جدول الاعمال، فعل الامر نفسه مع الوزراء الوارثين كي تستغرق آلية الاطلاع 72 ساعة، كافية لسحب البند الذي يعترض عليه احدهم. على مرّ تجربة علاقة سليمان بأسلاف سلام، ثم بالاخير نفسه في الشهرين اللذين سبقا انتهاء الولاية، كان رئيس الجمهورية يتمنى بلباقة على رئيس مجلس الوزراء سحب بند يتحفظ عنه، تفاديا لاثارة خلاف من حوله في الجلسة، فيستجيبه. بانتقال صلاحيات الرئيس الى الوزراء جميعاً وكالة، بات على رئيس مجلس الوزراء سحب اي بند يتحفظ عنه اي وزير.
لم تكن الحال كذلك في علاقة الرئيس رفيق الحريري بالرئيس اميل لحود بين عامي 2000 و2004. يصرّ الحريري على بند يرفض لحود ادراجه من غير ان يتمكن من إرغامه على سحبه، فيُسقطه في جلسة مجلس الوزراء بالتصويت او تأليب الغالبية الوزارية عليه.
لم تكن القاعدة الثانية للآلية افضل حظاً كي تنجح. برّرها رئيس الحكومة ببضع حجج بدت في أوانها مبرّرة، وربما واجبة التطمين: اولاها تعزيز الحضور المسيحي وفاعليته في مجلس الوزراء تعويض الشغور الموقت للرئاسة الاولى، ثانيها المحافظة على تماسك حكومته وتضامنها واستقرارها فلا تنفجر لادنى سبب، ثالثها اتاحة الفرصة امام مقدرتها على الانتاج والعمل المجدي وان في غياب الرئيس لئلا تقع البلاد في غياب شامل.
يستخدم الوزراء
الفيتو ثلاث مرات: عند وضع جدول الاعمال، عند مناقشة بنوده، عند رفض اصدارها
بذلك جعل توافق مجلس الوزراء على بنود جدول الاعمال مرتكز انعقاده، بمثل جعله التوافق على اقرار البنود مرتكز اصدارها. غضَّ النظر عن تطبيق المادة 65 التي يتدرّج فيها اتخاذ القرارات من التوافق الى التصويت، واحال الاجماع قاعدة وحيدة لانجاز جدول الاعمال. في حساب رئيس الحكومة ان التوافق المبكر على جدول الاعمال عند وضعه، ثم في ما بعد عند مناقشته واقراره، يمكّن من تسهيل العبور الى المحطة الاخيرة، وهي توقيع الوزراء جميعاً بلا استثناء مراسيم اصدار القرارات، الصلاحية المنوطة برئيس الجمهورية حصراً.
بيد ان شيئاً من ذلك كله لم يحصل.
رمى هذا المخرج الى تجنّب بلوغ مأزق رفض وزير حينما يكون في مجلس الوزراء الموافقة على قرار، فيمتنع عن توقيع مرسوم اصداره حينما يتحول الوزير نفسه الى وارث لصلاحية رئيس الجمهورية تلك.
مذ درج اعتماد هذه الآلية اضحى مجلس الوزراء ملعب اشتباك مفتوح من حين الى آخر. يرفع الوزير اصبعه ملوحا بالرفض، فاذا هو يمتلك فيتو لا يمكن تجاوزه، وصار في وسعه ارغام مجلس الوزراء على الاذعان لارادته بغية امرار القرار، او لا قرار يصدر ابداً. ذلك ما عبّر عنه سلام في اكثر من مناسبة بقوله ان الحكومة «ليست ماشية»، وانه عيل من صبره، ممتعضا من الخلاف والجمود الذي آلت اليه جلسات مجلس الوزراء. لا وجود للمادة 65 على طاولة مجلس الوزراء: إما لا يطرح البند في الجلسة، او يحظى باجماع الوزراء جميعاً، او يُرحَّل الى جلسة لاحقة وفي الغالب يوضع في الادراج الى ان يحضر التوافق عليه.
لم تكتفِ تلك الآلية باعطاب المادة 65، إنما شمل أيضاً المادة 56 عندما اصبحت صلاحية الاصدار بين يدي الوزير أقوى منها بين يدي صاحب الصلاحية الاصيل وهو رئيس الجمهورية. منحت الآلية الوزير صلاحية ليست له عندما يمتنع عن توقيع مرسوم الاصدار ـ وهو ما لم يُعطَ اياه رئيس الجمهورية ـ فلا يصدر اذ ذاك المرسوم أبداً، وحرمته من صلاحية طلب اعادة النظر في القرار خلال 15 يوماً وهو ما كان منوطاً برئيس الدولة.