على قاعدة انّ «الفراغ يولّد النقار»، باتت الجلسة المحتملة لحكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، وسط غياب رئيس الجمهورية، مادة للسجال السياسي، في ظل رفض التيار الوطني الحر القاطع لمبدأ التئامها.
بدل الاستعجال في ملء الشغور في قصر بعبدا بغية تفادي الانزلاق الى متاهات سياسية – دستورية حول قانونية انعقاد مجلس الوزراء بغياب رئيس الجمهورية، ها هو مجلس النواب يخفق المرة تلو الأخرى في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فاسحاً المجال أمام تَشابك الاجتهادات واشتباكها في شأن حدود صلاحيات حكومة «التصريف»، وما اذا كان يحق لها أن تجتمع تحت ضغط الضرورة ام لا.
وما يزيد الأمر تعقيداً هو انّ معادلة «الضرورات تبيح المحظورات» تبدو مطّاطة، وبالتالي يتفاوت تفسيرها بين طرف وآخر، ذلك أن ما يعتبره ميقاتي ضرورياً ويستوجب انعقاد مجلس الوزراء ليس كذلك بالنسبة إلى التيار الحر، فكيف إذا أضيفت الى هذا العامل أزمة الثقة المستفحلة بين الجانبين وشعور كل منهما بأنه مستهدف من قبل الآخر.
وفي حين يميل ميقاتي نحو دعوة مجلس الوزراء الى الالتئام قريباً لمعالجة أزمة صَرف مستحقات المستشفيات، والتي تهدد استمرارية تقديم الخدمات للمرضى وفق تأكيد وزير الصحة، لا توحي مصادر التيار في المقابل بإمكان ان يتساهل في موقفه المعترض، معتبرة انّ الذريعة التي يتسلح بها ميقاتي هي واهية ولا تبرر كسر العرف، داعية إيّاه الى ان «لا يفعلها» تحت طائلة المسؤولية.
ولئن كان التيار الحر ينتظر من «اللي بقيوا» من وزراء مسيحيين مُخلصين للعماد ميشال عون بعد مغادرته السلطة، ان يتقيّدوا بقرار مقاطعة اي جلسة يمكن أن يدعو اليها ميقاتي، الا انه يتطلّع أيضاً الى ان يتضامن معه «حزب الله» في المقاطعة، علماً انّ التيار يرى ان غياب وزير واحد يكفي للحؤول دون اجتماع حكومة تصريف الأعمال لأنّ كل وزير في هذه الحكومة هو كناية عن رئيس جمهورية ولا يجوز الانعقاد او اتخاذ قرار من دون حضوره تبعاً للمقاربة البرتقالية المستمدة من تجربة حكومة الرئيس تمام سلام في مرحلة الفراغ التي تلت انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.
وتتهم مصادر التيار الحر ميقاتي بأنه يحاول اختراع ضرورات مفتعلة ومفصّلة على قياس حساباته لتبرير الدعوة إلى جلسة طارئة لمجلس الوزراء، من دون وجود رئيس الجمهورية.
وتلفت المصادر إلى أنّ مسألة مستحقات المستشفيات ليست مستجدة بل هي عالقة منذ فترة طويلة، «فلماذا لم يبادر ميقاتي الى معالجتها عندما كانت حكومته أصيلة؟ ولماذا استحضارها الآن بهذه الطريقة على رغم انّ هناك ملفات أخرى معلّقة ولا تقل أهمية؟»
وتعتبر المصادر البرتقالية انّ ميقاتي يتلطّى وراء حجة إنسانية لتبرير اجتماع مجلس الوزراء ووضع التيار في مواجهة الناس، مشددة على انه لا يمكن الخضوع الى هذا الابتزاز «واذا سمحنا او قبلنا بانعقاد جلسة لحكومة تصريف الأعمال فستكر السبحة وسيبني ميقاتي على هذه السابقة لكسر التابو وعقد جلسات أخرى بذرائع غب الطلب».
وتشير المصادر الى انّ الضرورة هي حدث مفاجئ وكبير يستدعي قرارات استثنائية «الأمر الذي لا ينطبق على الواقع الحالي الا اذا كان قد حصل زلزال او تسونامي ولم نعلم به»، مُتسائلة: مَن منحَ ميقاتي وحده حق تعريف الضرورة؟
وتضيف المصادر: كنّا متأكدين خلال مفاوضات تشكيل الحكومة ان ميقاتي يناور ولا يريد التشكيل وهذا ما ثبتت صحته لاحقاً، وكذلك كنّا متأكدين منذ اليوم الأول للفراغ الرئاسي انه سيسعى عاجلا ام آجلا الى اختراع مسوّغ لجمع مجلس الوزراء خلافاً للعرف والتوازنات.
وتنبّه المصادر إلى أن «اجتماع حكومة تصريف الأعمال المستقيلة هو نوع من التطبيع مع الفراغ الرئاسي، وإشارة الى انه يمكن الاستمرار بلا رئيس للجمهورية ولا داعي للتعجيل في انتخابه، ما يكرّس الخلل في الواقع السياسي السائد حتى إشعار آخر».
وتلفت إلى أنه بالإمكان الاستعانة بمجلس النواب للبَت في اي ملف مُلحّ، «إذ انه منتخب حديثا ويشكّل مصدر السلطات، وباستطاعته الحلول موضعياً مكان الحكومة عندما تستدعي الحاجة».
وتتابع المصادر: سنتصدى بكل الوسائل لمحاولة مصادرة دور رئيس الجمهورية وموقعه، ومَن تبقّى مِن وزراء محسوبين على الرئيس ميشال عون لن يشاركوا في تغطية هذه المخالفة الجسيمة.