IMLebanon

قراءة مسيحية في موقف ميقاتي: يذهب بعيداً في التحدّي.. بعد الدعوة لجلسة لمجلس الوزراء

سفيرة فرنسا حذرت بكركي من التطبيع مع الفراغ والانتحار الذاتي

ثمة انطباع واسع لدى الأفرقاء المسيحيين أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إستجمع الملفات المتأزمة وراكمها، واحدا فوق الآخر، من أجل تبرير دعوته الى الجلسة الأولى لمجلس الوزراء في عهد الفراغ الرئاسي. هو أصلا كان نوى عقدها في الأسبوع الأول من تشرين الأول لكنه ما لبث أن عدل عنها تحت وطأة الضغوط ومن ثمّ التفاهم الذي رعاه في حينه حزب الله والذي قضى بعدم انعقاد الحكومة إلا في الحالات القصوى.

لكن عبارة «الحالات القصوى» مطّاطة الى درجة أراحت ميقاتي في حينه. وهي ما أتاحت له راهنا أن يرتكز عليها من أجل الدعوة الى جلسة بعد غد الإثنين، مهددا التيار الوطني الحر بأن يتحمّل مسؤولية قراره في حال مقاطعة الوزراء المحسوبين على الرئيس ميشال عون.
هو بذلك يدفع الى وضع التيار في مواجهة اللبنانيين ومصالحهم في ملفات إجتماعية وصحية وآنية لاهبة، في الإستشفاء والكهرباء والاتصالات وغيرها من المسائل.
ليس واضحا بعد ما مصلحة ميقاتي في الذهاب بعيدا حدّ تحدي المعترضين والرافضين لمحاولات التطبيع مع الفراغ الرئاسي. سبق أن سافر في اليوم الأول للفراغ لتمثيل لبنان في القمة العربية في الجزائر في 1 تشرين الثاني كقائم برئاسة الجمهورية، وكرر الواقعة في قمة قمة المناخ COP27 في شرم الشيخ في 6 تشرين الثاني، وسيعاود الكرّة في القمة العربية – الصينية في المملكة العربية السعودية في 9 كانون الأول. هي إطلالات رئاسية ثلاث يسعَد لها ميقاتي ولا تريح المسيحيين، وخصوصا في ضوء الاحتباس الرئاسي الحاصل وتعطّل أو تعطيل محاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكن تلك المشاركات شيء والذهاب نحو التطبيع الكامل مع الفراغ الرئاسي من خلال معاودة إجتماعات الحكومة كأن لا أزمة رئاسة وكأن الـbusiness as usual هو الأساس في هذه المرحلة تحت ستار الحفاظ على مصالح اللبنانيين، هو شيء آخر تماما.

وثمة في هذا السياق من يذكّر ميقاتي بموقفه أنه مع نادي رؤساء الحكومة السابقين حرّم على رئيس الحكومة السابق حسان دياب عقد أي جلسة لحكومته المستقيلة. ورُشق الرجل بتهمة التفريط بصلاحيات موقع رئاسة الحكومة، والخضوع للرئيس عون والتيار الوطني الحر في حال أقدم على عقد اجتماع لحكومته المستقيلة. ولا داعي للتذكير بالملفات الملحة التي كان يفترض بحكومة دياب إصدار قرارات فيها، في الشؤون المالية والحياتية والإجتماعية والأمنية، وحتى في الشأن السياسي – السيادي.
في أي حال، إذا دلّ كل النقاش الحاصل في مخاطر التطبيع مع الفراغ الرئاسي وتعويد السياسيين أنفسهم، وتاليا اللبنانيين، على هذا الفراغ، فعلى مركزية موقع رئاسة الجمهورية في الإنتظام العام رغم كل القضم الذي لحق بها في اتفاق الطائف ومن ثم في ممارسات ما بعد الطائف، بدءا وليس إنتهاء بتكريس علّة الرؤساء الثلاثة (الترويكا)، تلك الخطيئة التي كرّست مثالثة مسيحية – سنية – شيعية لا تزال الى الآن تُرشق بشتى أنواع القبائح، فيما من الراشِق هو نفسه المكرِّس لها.
باريس تسعى لابتكار صيغة توافقية بالتعاون مع واشنطن وعواصم عربية لوضع حد للفراغ الرئاسي
ولا تزال هذه المركزية لرئاسة الجمهورية في صلب النظام، تُحرّك باريس على وجه التحديد التي تسعى إلى إبتكار صيغة توافقية ما بالتعاون مع واشنطن وعواصم عربية أخرى لوضع حد للفراغ الرئاسي. صحيح أنه لم يكن متوقعا أن تخرج القمة الأميركية – الفرنسية بحل رئاسي لبناني فوري وتلقائي، لكن الأهمية تبقى في استمرار الحراك الدولي لكي لا يدخل لبنان نفق التطبيع الكامل مع الفراغ الرئاسي.

والمركزية الرئاسية نفسها هي ما دفعت سفيرة فرنسا آن غريو الى لفت نظر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في قبل 10 أيام من انتهاء ولاية الرئيس عون، من مغبّة السكوت عن الفراغ أو إهمال تداعياته الخطيرة على المسيحيين قبل سائر اللبنانيين، لأن أي تغاضٍ أو تطبيع هو إنتحار ذاتي ماروني – مسيحي عن سابق إرادة وإصرار.
وكانت غريو حريصة على القول لسيد الصرح إنّها تتكلّم باسم رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون شخصيا، لا بصفتها الديبلوماسية فحسب.