ليس بعيداً ان تكون التسوية السياسية، التي ستعيد الحكومة الى الإجتماع، ملغومة. يعتري هذه العودة عاملان اساسيان قد يؤثران على مسارها الطبيعي، الاول دستوري من حيث تحديد جدول اعمال مجلس الوزراء من قبل فريق في الحكومة وليس من قبل رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية، ما قد يُعد تعدياً على الصلاحيات، والثاني حول الضمانات في حصر اجتماعات الحكومة بالموازنة وخطة التعافي، في وقت ثمة فريق يتأهب لطرح التعيينات كسلة كاملة متكاملة للاطاحة بحاكم مصرف لبنان.
واذا كان الثنائي الشيعي ارتأى العودة عن مقاطعة جلسات الحكومة من باب الموازنة واقرار خطة التعافي، فليس معروفاً بعد كيف لرئيس الحكومة ان يوافق على تجاوز صلاحياته وما المغزى الحقيقي من تأخره بالدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء، ولماذا ربط في تصريحه الاخير عقد الجلسة بإنجاز مشروع قانون الموازنة. وهو وان كان قصد ملاقاة الثنائي الشيعي الى منتصف الطريق فهذا لا يلغي أن تسوية ما تم تجهيزها على حساب المس بالدستور الذي ينص على أن صلاحية اعداد جدول اعمال مجلس الوزراء منوطة برئيس الحكومة بعد اطلاع رئيس الجمهورية الذي له حق اضافة بنود لنقاشها من خارج جدول الاعمال. هي اذا سابقة تسجل باستباق انعقاد الجلسة بشرط نقاشها للموازنة وخطة التعافي، بينما هناك بنود اخرى تصب في نفس الخانة تفترض مناقشتها على طاولة الحكومة.
لكن ربط الجلسة بالموازنة يعني رفض مناقشة اي بند آخر حتى وان كان ملحاً، فماذا لو أملت الظروف الاستثنائية التي ترزخ تحتها البلاد وجوب اتخاذ قرارات تستوجب الاجتماع، كقضية الموظفين ورواتبهم مثلا خصوصاً وان أموراً اخرى كانت تحتاج الى صدور مراسيم استثنائية لتدخل حيز التنفيذ، فهل سيتم طرحها على مجلس الوزراء؟
يمكن ان يفسر ما حصل على انه محاولة لفرض اعراف جديدة لانعقاد مجلس الوزراء بما يمس بدوري رئيسي الجمهورية والحكومة كشريكين بالاطلاع على جدول الاعمال.
والسؤال هنا لماذا لم يستعجل ميقاتي الدعوة لجلسة حكومية قريبة تبت في قضايا متعلقة بالازمة الراهنة وما اكثرها، بانتظار ان ينتهي العمل على الموازنة ليتم رفعها الى رئيس الحكومة تمهيداً لعرضها للنقاش في مجلس الوزراء.
يؤكد مرجع قضائي ان «اشتراط عقد جلسة للحكومة فيه مس بالدستور»، لكن الضرورة حتمت على الثنائي الموافقة على حضور جلسات للحكومة بشرط حصر النقاش في الموازنة وخطة التعافي، لرفع مسؤولية التعطيل عن كاهله بعدما تعددت الجهات التي غمزت من هذه القناة، في محاولة لتصوير الثنائي على انه يقف خلف التعطيل. لم يعد بإمكان الثنائي الانتظار اكثر بينما يتم تسجيل النقاط عليه وتحميله عبء الازمة. اعاد الكرة الى ملعب متهميه، رغم تشكيكه ضمناً بالنتيجة.
وأبعد من تحديد موعد لجلسة مشروطة فكل طرف يريد من خلال عودة مجلس الوزراء تحقيق غايات معينة. يريد الثنائي الشيعي ان يرتاح من وزر تحميله المسؤولية اذا تأخرت الحكومة في اقرار الموازنة وخطة التعافي، وهو يدرك ضمناً ان الخطوتين ولو اقرتا فلن تحدثا تغييراً في الوضع الراهن، هذا في حال الاتفاق على ارقام الموازنة ثم على خطة التعافي وارقامها والخلافات المتوقعة حول ارقام الخسائر المخصصة، وميزانيات الوزارات والحاجة الملحة لتقليص الميزانيات وما الى هنالك من تفاصيل.
اراد الثنائي وضع حد لتحميله نتائج التأخير حتى من قبل حليفه، رغم علمه ان انعقاد جلسات الحكومة لن يقدم او يؤخر في الحصار الاقتصادي المفروض على البلد، الذي صار رهينة لتغيير الاوضاع الاقليمية ربطاً بمفاوضات فيينا. ويؤكد مصدر وزاري في هذا السياق ان الاتفاق على جلسة حكومية قريبة صنيعة لبنانية داخلية غير متصلة بأي تطور اقليمي سعودي ايراني على وجه الخصوص. كل ما في القصة ان الثنائي اراد تفويت الحجة على متهميه بالتعطيل فرجع عن قرار المقاطعة مشترطاً مناقشة الموازنة وخطة التعافي، وقد وجد القبول الحسن من رئيس الحكومة الذي نال ضمانات حكماً بأن جدول الاعمال الذي سيطرح للنقاش لن يتناول التعيينات الادارية، واولها والاهم قضية اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وهي الهدف الذي يصبو اليه «التيار الوطني الحر» من عودة الحكومة للاجتماع.
قد تشكل عودة مجلس الوزراء ارتياحاً وتنفيساً للاجواء من حيث الشكل اما من حيث المضمون فالارجح انها ستعرض البلد الى الاهتزاز مجدداً، بالنظر الى اختلاف الاهداف بين الجهة الملحة لعودة اجتماعات الحكومة والجهة التي رضيت بعودة مشروطة. والامر الاهم ما سيكون عليه موقف عون من حصر اجتماعات الحكومة بالموازنة دون غيرها، فهل سيتنازل عن حقه في طرح ملفات من خارج جدول الاعمال، ام ان «حزب الله» بالاتصالات التي سبقت بيان الثنائي طوق المسألة وازال الالغام من امام الحكومة؟