أقفل العام الحالي أيامه الأخيرة على جلسة عاشرة للمجلس النيابي دون تصاعد الدخان الأبيض الذي يبشّر بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذه الحال ستستمر مع جلسات عشر أخرى وربما أكثر، في تكرار لمشهديات العشر الأول. إذا ما استمرت المعطيات ذات الصلة بانتخاب رئيس للجمهورية على حالها.
ولهذا فأن الشغور في موقع رئاسة الجمهورية سيبقى قائماً، طالما لم يتأمن النصاب السياسي الذي ينتج تسوية تفتح الطريق أمام انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وهذا النصاب السياسي أطرافه ليست داخلية بل خارجية تنطلق في حساباتها في مقاربة هذا الموضوع من خلال وضع الاتفاق على إنتاج تسوية رئاسية في ميزان مصالحها الدولية والاقليمية. لذلك لا ينتظرن أحد انتخاب رئيسٍ استناداً الى معطى الوضع الداخلي حتى لو استمر الشغور أشهراً وسنوات وسبق ان حصل مثل هذا الأمر.
هذا الشغور في موقع رئاسة الجمهورية لحظ الدستور آلية لاستمرارية عمل المرفق العام في حال حصوله، وهو ما نصت عليه المادة ٦٢ من الدستور التي نصت على أنه (في حال خلو سدة الرئاسة لأية علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء). علماً ان وثيقة الوفاق الوطني التي جرى تعديل الدستور استناداً الى ما انطوت عليه من بنود أناط السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء الذي يتولى رئاسته، رئيس الحكومة، وبالتالي اجتمعت لديه صفتي رئيس المجلس والحكومة في آن. وهذا ما أكدت عليه المادة ٦٤ من الدستور التي نصت على ان رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء.
إذاً، من يمثل الحكومة ويتكلم باسمها هو رئيسها، وهذا ينسحب حكماً على صفته كرئيس لمجلس الوزراء، حيث يمثله ويتكلم بإسمه، خاصة وأنه المسؤول عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها المجلس. ومن يكون مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة، يكون مسؤولاً عن تنفيذ كل ما يقرره المجلس وما يصدر عنه من مراسيم وقرارات. وعندما تؤول صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء وكالة عند خلو سدة الرئاسة، فإن المركز القانوني لرئيس مجلس الوزراء في هذه الحال، يكون ذاته فيما لو لم يكن موقع رئاسة الجمهورية شاغراً لأي سبب من الأسباب. وعليه فإن من يوقّع على ما يصدر عن مجلس الوزراء من مراسيم وقرارات هو من يمثله كهيئة اعتبارية، الذي هو رئيسه في حال انتقلت صلاحيات رئيس الجمهورية لمجلس الوزراء وكالة.
وعلى هذا الأساس ، فإنه لدى تفعيل نص المادة ٦٢ من الدستور، فان المراسيم والقرارات التي يصدرها مجلس الوزراء تنتج مفاعيلها القانونية والعملية بإصدارها ونشرها ممهورة بتوقيع رئيس مجلس الوزراء أصالة ووكالة وتوقيع الوزير المختص فقط. وان القول بإن المراسيم تتطلب تواقيع كل أعضاء مجلس الوزراء كي تصبح نافذة، يناقض صراحة نص المادة ٦٢ التي تحصر الصلاحية بالمجلس كمؤسسة دستورية وليس بأعضائه.ولو كان المشرع قصد مجلس الوزراء بمجموع أعضائه لكان نص على ذلك صراحة ولا كان ترك مجالاً للاجتهاد والذهاب بعيداً في تفسير أحكام المادة المذكورة.
ان مجلس الوزراء كمؤسسة هو الذي آلت إليه صلاحيات رئيس الجمهورية في حالة الشغور وليس الى أعضائه كوزراء، وبالتالي فإن من يوقّع باسم المجلس أصالة أو وكالة هو رئيسه، وأما الوزير الذي يتطلب نفاذ المرسوم توقيعه فهو الوزير المختص سواء كان مجلس الوزراء يمارس صلاحيته أصالة عن نفسه أو وكالة استناداً الى نص المادة ٦٢. ومن يعتبر ان توقيع جميع الوزراء ضرورة ميثاقية، فهو مخطئ في تقديره، لان الميثاقية تتأمّن في المشاركة في إنتاج المراسيم وليس في متابعة تنفيذها. فالمراسيم والقرارات تمر في مرحلتين، مرحلة الانشاء ومرحلة الإعلان. وأما الانشاء فقد نص الدستور على شروط لإقرارها وهو المحدد بنص الفقرة الخامسة من المادة ٦٥، وأما الإعلان الذي ينطوي على الإصدار والنشر فلا يوقّع عليها إلا الوزير المختص إضافة الى توقيع رئيس الجمهورية وتوقيع رئيس مجلس الوزراء.
ان الإصرار على اعتبار توقيع جميع الوزراء على قرارات مجلس الوزراء في حال شغور موقع الرئاسة، ينطلق من خلفية سياسية وليست دستورية، وبالتالي فهذه بدعة تضاف الى البدع الكثيرة التي يُعْمل بها بعيداً عن التقيّد بأحكام النصوص الدستورية. وإذا كانت حصلت سوابق في هذا المجال، فهذه السوابق لم تكن ترتكز على أية أسانيد دستورية بل كانت تقارب من خلفيات سياسية. وهذا ما يضيف تعقيدات الى ما هو قائم كونها تشكّل تجاوزاً وخروجاً عن صراحة النص فضلاً عن كونها تشكّل افتئاتاً على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء كمسؤول عن إدارة مرفق دستوري مناطة به السلطة الإجرائية.