لا جلسة جديدة لمجلس الوزراء قبل نهاية الأسبوع. سيقفل العام أيامه الأخيرة على الحدّ الأدنى من الإشكالات السياسية-الدستورية مع ترحيل مسألة عقدة الجلسات الحكومية إلى العام المقبل.
إلى الآن، لا يبدو أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد يرتدّ عن ترؤس المزيد من الجلسات الحكومية. للمفارقة أنّ الرجل أمضى الكثير من أيام تكليفه تشكيل الحكومة، يتغنّج طلوعاً ونزولاً من بعبدا إلى السراي، ولم يكلّف نفسه عناء عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، فيما روزنامة القصر كانت تدقّ ناقوس اقتراب موعد الشغور، وما سيحمله من متاعب ومآسٍ قد تطيح بآخر ما تبقى من هيكل الدولة. وها هو اليوم يسابق الوقت لعقد الجلسة تلو الآخرى بحجة تسيير أمور الناس والمواطنين.
فعلياً، لم يعد الوقت متاحاً لعقد جلسة خلال الساعات المقبلة لإقرار ترقيات الضباط من مختلف الأسلاك الأمنية والعسكرية، كما أنّ تواجد العديد من الوزراء خارج البلاد لتمضية الأعياد، حال حتى دون وضع الفكرة على طاولة النقاش الجدي. وبالتالي سيتمّ تأجيل هذا البند إلى وقت لاحق مع العلم أنّ اقرار الترقيات بمفعول رجعي، سيكون مخالفاً للقانون. وعليه سيلحق بند الترقيات بجدول الأعمال الذي يتمّ الإعداد له، تحت عنوان ملحّ وعاجل… إلى حين يقضي الحدّ الأنى من التوافق، أمراً كان مفعولا. في هذه الأثناء، تقصّد المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نشر نصّ الكتاب الذي وجّهه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء حول التوقيع على مشروع مرسوم يرمي إلى إعطاء الأسلاك العسكرية (في الخدمة الفعلية والمتقاعدين) مساعدة اجتماعية وفقاً لقرار مجلس الوزراء رقم 24 تاريخ 5/12/2022.
وفي متن الكتاب يذكر ميقاتي أنّ «وزير الدفاع أعاد بتاريخ 21/12/2022 مشروع المرسوم موقعاً من قبله ولكنه أدخل عليه بعض التعديلات… وأدرج أسماء جميع أعضاء الحكومة خلافاً للأصول الدستورية التي توجب توقيع الوزراء المعنيين فقط أي توقيع وزير الداخلية والبلديات ووزير الدفاع الوطني ووزير المالية وعلى أن يصار بعدها إلى اصداره أصولاً، أي بعد توقيعه من قبل رئيس مجلس الوزراء مرتين». أضاف أنّه «أعيد الطلب من وزير الدفاع توقيع المشروع من دون أيّ تعديل، ولكن لغاية تاريخه لم يرسل وزير الدفاع المشروع، وطالما أنّه قد وقّع المشروع وإن كان بصيغة معدّلة، ما يفيد موافقته على مضمونه… يطلب إليكم إجراء ما يلزم من تعديلات على المشروع لإصداره بحسب الأصول الدستورية أي بالصيغة المرسلة سابقاً إلى وزير الدفاع بعد استكمال تواقيعه أصولاً».
ماذا يعني ذلك؟
يعني أنّ ميقاتي ضرب عرض الحائط اعتراض وزير الدفاع لجهة طلب توقيع كلّ مكونات الحكومة المؤلفة من 24 وزيراً، ولو أنّ هذا الطلب ليس من اختصاص وزير الدفاع، أسوة بالآلية التي كانت معتمدة خلال حكومة تمام سلام ابّان الشغور الرئاسي نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. ما يعني أنّ ميقاتي مصرّ على اصدار المراسيم كما لو أنّه ليس هناك من شغور في رئاسة الجمهورية، ولا وجود للمادة التي 62 التي تقول إنّه «في حال خلو سدة الرئاسة لأية علّة، ومنها انتهاء ولاية الرئيس دون التمكن من انتخاب رئيس جمهورية جديد على سبيل المثال، فإن صلاحيات رئيس الجمهورية يتولاها وكالة مجلس الوزراء»، ولا للفقرة الرابعة من المادة 64 التي تقول «يوقع مع رئيس الجمهورية جميع المراسيم ما عدا مرسوم تسميته رئيساً للحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة».
ويعني أيضاً أنّ ميقاتي كرّس هذه الآلية في إصدار المراسيم التي ستصدر لاحقاً من خلال الاكتفاء بتوقيعيْه وتواقيع الوزراء المعنيين، ليكون بذلك قد أقفل أذنيه على اعتراض «التيار الوطنيّ الحرّ» وغيره من القوى المسيحية، وذلك بدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان أول من دعا إلى التخلّص من تلك الآلية للحؤول دون تحوّل الوزراء الـ24 إلى 24 رئيساً للجمهورية. وبالفعل، ها هو ميقاتي يصدر اولى تلك المراسيم مكتفياً بتواقيع الوزراء المعنيين. وهذا ما يؤكد أنّ اللقاء-الغداء الذي جمع ميقاتي برئيس «التيار الوطنيّ الحر» جبران باسيل انتهى إلى «صفر نتيجة».
ومع ذلك، تبدو الجلسة الثانية لحكومة تصريف الأعمال، قيد النقاش الصامت. ميقاتي متحمّس للدعوة، ويعدّ جدول الأعمال، فيما المطلعون على موقفه يؤكدون أنّ مضامين جدول الأعمال لا تعود ذات أهمية اذا ما عقدت الجلسة، فلماذا حصر أعمالها بما هو ملّح؟ العنوان الأساس قد يكون بنداً طارئاً، ولكن تسيير شؤون الناس لا يميّز بين ملّح وغير ملّح.
لكنّ حماسة ميقاتي لا تزال مطوّقة بتأني «حزب الله» حيث يبدو أنّ الأخير يحاذر فتح معركة جديدة مع باسيل ويفضّل التريث كثيراً قبل أن يعطي رئيس حكومة تصريف الأعمال الضوء الأخضر. ولهذا ثمة من يقول أنّ «الحزب» لن يشارك في أي جلسة جديدة اذا لم تكن بنودها طارئة جداً ولا تحتمل التأجيل، ومحدودة جداً. أمّا غير ذلك فيحتمل الانتظار. ولهذا يبدو الموعد المرتقب، بعيد الأجل.