IMLebanon

إعتراض غير دستوري وإنما شعبوي

 

مرة أخرى يتجدد السجال حول انعقاد مجلس الوزراء في ظل الفراغ الرئاسي لمجرد ان شاع انّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ينوي عقد جلسة ثانية للمجلس بعد الجلسة الاولى التي قامت قيامة البعض حولها ولم تعقد بعد، فيما الرجل لا ينوي حتى الآن الدعوة الى مثل هذه الجلسة إلا في حال طرأ ما يستوجِب ذلك.

والواقع انّ اعتراض البعض على انعقاد مجلس الوزراء في زمن تَولّيه دستورياً صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالةً نتيجة الفراغ الرئاسي في انتظار انتخاب رئيس جديد، هو، في رأي دستوريين وقانونيين، اعتراض ليس في محله لا دستورياً ولا قانونياً ولا حتى في الظروف العادية، فكيف والحال الخطيرة التي تعيشها البلاد نتيجة الانهيارات المتلاحقة للسنة الرابعة على التوالي على كل المستويات في ظل وجود حكومات ورئيس جمهورية لم تتمكن من معالجتها حتى اليوم في عهد «فخامة الفراغ».

 

فهذا الاعتراض الذي يتصدره «التيار الوطني الحر» لا يعدو كونه اعتراضاً يستبطِن شعبوية ومزايدات حول صلاحيات رئاسة الجمهورية التي هي اصلاً لجميع اللبنانيين بغضّ النظر عن الهوية الطائفية لمن يتولاها، شأنها شأن بقية الرئاسات التي هي مواقع دستورية وطنية مهما حاول البعض إلباسها اللبوس الطائفي والمذهبي وجَعلها وكأنها حكرية او حصرية بهذه الطائفة او تلك بما يخالف الدستور ويُسيء الى دور المؤسسات التي تتولاها.

 

ويرى معنيون انّ مزايدة البعض في موضوع صلاحيات رئاسة الجمهورية في مجال انعقاد مجلس الوزراء في ظل الفراغ في سدة الرئاسة، ليست في محلها ولا تعدو الغاية منها اكثر من لعبٍ على وتر طائفي بهدف كسب شعبية يشعر المعترضون انهم فقدوها او يريدون الحفاظ على نسبة كبيرة منها، خصوصا عندما يتبيّن ان الاعتراض على انعقاد المجلس لا يقدم ولا يؤخر في صلاحيات رئاسة الجمهورية التي لا مساس بها البتة في هذا المضمار. ذلك انّ صلاحيات رئيس الجمهورية في اطار مجلس الوزراء هي، في الاوضاع العادية والاستثنائية، صلاحيات حَكَميّة وليست تقريرية، فالرئيس هو بحسب الدستور يحضر جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء من دون ان يكون له حق التصويت على القرارات التي يتخذها المجلس عادة بالتوافق او بموافقة الاكثرية المطلقة، وحتى القرارات الكبرى المصيرية التي تتطلب موافقة اكثرية ثلثي الوزراء الذين تتكوّن منهم الحكومة.

 

واكثر من ذلك ان مجلس الوزراء في الظروف العادية يمكنه ان يجتمع برئاسة رئيس الحكومة (اي رئيس مجلس الوزراء) وفي غياب رئيس الجمهورية ويتخذ قراراته بالآلية نفسها، لأنّ الدستور لم يجعل حضور رئيس الجمهورية للجلسات ملزماً وانما أتاح له ترؤس جلسات مجلس الوزراء عندما يشاء من دون ان يكون له حق التصويت.

 

ويبدو، في رأي المعنيين، انّ المعترضين قد تناسوا انّ الدستور المنبثِق من وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ»اتفاق الطائف»، أناطَ السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً بعدما نزعها من يد رئيس الجمهورية الذي كان يتولاها قبل «الطائف» بمعاونة وزراء يختار من بينهم رئيساً يسمّيه رئيس الوزراء (ويسمّى في بعض الدول العربية والاجنبية «الوزير الاول»). فعندما أُنيطت السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء مجتمعاً انما كان ذلك على اساس نقل الصلاحيات التنفيذية التي كان يتولاها رئيس الجمهورية بمفرده الى مجلس الوزراء الذي تتمثّل فيه جميع الطوائف والمذاهب وحتى لمعظم القوى السياسية تمثيلاً عادلاً بغية ان تكون المشاركة في القرار شاملة كاملة لا انتقاص فيها ولا إقصاء لأحد وحتى ولو كان هذا الاحد حزباً مثلاً وقرّر إقصاء نفسه، إنما يتم تعيين الوزراء على قاعدة الحفاظ على التوازن الطائفي والتمثيلي وحتى السياسي للجميع في مجلس الوزراء.

 

امّا ما يعطيه البعض من تفسيرات قانونية ودستورية لموضوع انعقاد مجلس الوزراء من عدمه في ظل الفراغ الرئاسي فهي لا تعدو كونها تفسيرات سياسية يتم إلباسها لبوساً دستورياً هو في الحقيقة غير دستوري وغير صحيح. وفي رأي فقهاء في الدستور والقوانين ان مجلس الوزراء يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة في حالة خلو سدة الرئاسة، وهذه الصلاحيات ليست من النوع الذي يعطّل السلطة التنفيذية وانما هي صلاحيات حَكَميّة (بفتح الحاء والكاف) فقط انطلاقاً من موقع رئيس الجمهورية الذي حدّده الدستور بأنه «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لمجلس الوزراء».

 

اما قول البعض انّ اي قرار يتخذه مجلس الوزراء في ظل الفراغ الرئاسي ينبغي ان يوقّعه جميع الوزراء، فهو في رأي هؤلاء الفقهاء الدستوريين هرطقة، فالقرار ينبغي ان يحمل توقيع رئيس الحكومة والوزراء المختصّين ومجلس الوزراء بصفته يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة عامة وليست موزّعة على كل وزير على حدة، على ان يوقّع رئيس الحكومة تحت عبارة «مجلس الوزراء» التي يذيّل بها القرار او المرسوم كونه المسؤول عن السياسة العامة للحكومة، ولا حاجة لتوقيع الـ 24 وزيراً على الاطلاق، فالدستور يعتبر ان كل وزير هو «رأس الهرم» في وزارته ولم يجعل مجلس الوزراء اهرامات مستقلة بعضها عن الآخر، وإنما جعله هرماً واحداً رأسه رئيس الجمهورية الحكم عندما يحضر الجلسات، ولكن رأسه الدستوري التنفيذي هو رئيس مجلس الوزراء، بدليل انّ مجلس النواب عندما يراقب الحكومة ويحاسبها إنما يحاسبها هي برئيسها ووزرائها ولا يحاسب رئيس الجمهورية لأنه ليس رئيس السلطة التنفيذية ولا شريكاً او طرفاً فيها.

 

وهذا الامر يقود الى التذكير بالاخطاء والمخالفات الدستورية التي ترتكب في تأليف الحكومات منذ اقرار «اتفاق الطائف» ودَسترته، وهي تتمثّل بإعطاء رئيس الجمهورية «كوتا» او حصة وزارية في الحكومة ما يجعله طرفاً في السلطة التنفيذية وحتى في اللعبة السياسية، فيما الدستور جَعله «حكماً» وراعياً لجميع المؤسسات رعاية الأب الصالح، والدستور قال ان «لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته الّا في حالتي خرق الدستور والخيانة العظمى». فإعطاء رئيس الجمهورية حصة وزارية وجَعله طرفاً في اللعبة السياسية هما خرق للدستور، لكنّ احداً لم يتوقف عند هذا الخرق بل الجميع تورطوا فيه منذ العام 1992 وحتى اليوم، والرئيس السابق ميشال عون كانت له حصص وزارية في كل الحكومات التي تشكلت في عهده، مع العلم انه كان يعلن قبل تولّيه الرئاسة انه لا يحق لرئيس الجمهورية ان تكون له حصة وزارية لأنّ الدستور جعله حَكَماً بين الجميع وساهراً على حماية «دستور الامة اللبنانية وقوانينها واستقلال لبنان وسلامة اراضيه».

 

ولذلك، يرى المعنيون وكثير من الفقهاء الدستوريين، وحتى المتفقهين بالدستور، ان مجلس الوزراء في ظل الفراغ الرئاسي في إمكانه ان ينعقد من دون اي مانع او تردّد دستوري وغيره في جلسات عادية او استثنائية لا فارق، لأن ليس هناك شيء اسمه فراغ في المؤسسات، وإنما هناك شيء اسمه استمرار العمل في المرفق العام أيّاً كان هذا المرفق الى حين تعيين او انتخاب مَن يملأ اي فراغ فيه، سواء كان هذا المرفق رئاسة الجمهورية او غيرها من المؤسسات الدستورية والعامة.