في الأسباب المعلنة، تعذّر على الوزراء الوصول إلى السراي الحكومي لتأمين النصاب القانوني لإنعقاد جلسة مجلس الوزراء، وقد حال الاعتصام الذي نفّذه عسكريون متقاعدون في محيط السراي دون وصول عدد من الوزراء للالتحاق بزملائهم. وبناءً عليه أرجأ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الجلسة إلى الثلاثاء المقبل. ولكن أي عقل سيصدّق أنّ الصدفة حالت دون انعقاد جلسة حكومية كانت محور الاهتمام منذ ما يزيد على أسبوع ويتوقف عليها بتّ مصير قائد الجيش الذي تنتهي ولايته في العاشر من الشهر المقبل؟
المؤكد أنّ ميقاتي كان أول الهاربين من عبء الجلسة تلاه «الثنائي الشيعي». كان الاعتقاد سائداً أنّ سيناريو الحكومة سيسري على مجلس النواب، لأنّ من منع توافر النصاب في الحكومة يمكنه أن يمنعه أيضاً في ساحة النجمة. القصة لم تعد مجرّد تأجيل تسريح أو تمديد بمقدار ما هي معركة داخلية تعكس كباشاً خارجياً حول مصير المؤسسة العسكرية. بين ليلة وضحاها تبدّلت وقائع سيناريو التمديد أو تأجيل التسريح لقائد الجيش. كان أغلب الظن أنّ الحكومة ستعمد بناء على اقتراح رئيسها إلى تأجيل تسريحه ستة أشهر، وفي الموازاة تعيّن رئيساً للأركان. ثم يطعن وزير الدفاع موريس سليم بالتمديد المخالف لقانون الدفاع فيتولى رئيس الأركان مهمات القائد بالوكالة.
وطالما أنّ المعطيات كانت عرضة للتبدل بين ساعة وأخرى، أجّل «حزب الله» موقفه بلسان نائبه حسن فضل الله «لنوصل ليها منصلي عليها»، فقد حصل ما برّأ ذمة «الحزب» في العلن، ولم يخرجه من لعب دور «المايسترو» علناً وخلف الكواليس.
أسئلة كثيرة وفرضيات كانت قيد التداول منذ صباح الأمس، وتأكدت المعلومات عن اتجاه لتأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزاف عون ستة أشهر من دون تعيين رئيس أركان، ما أغضب رئيس الحزب الاشتراكي السابق وليد جنبلاط. قبل موعد الجلسة، قالت مصادر ميقاتي إنّه سيناقش جدول أعمال الجلسة كالمعتاد من دون أن يؤكد طرح تأجيل التسريح من خارج جدول الأعمال. بعدها كرّت سبحة الأحداث التي تؤكد وجود تحوّل ما في السياق المتفق عليه. غرّد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عبر منصة «إكس» يقول: «عم اتفرّج عليهم وابتسم: حدا همّه يغيظني، وحدا بدّو يرضيني. حدا بيعرف أنّه معي حق، بس ما لازم إربح! وحدا بيعرف أنّه ما لازم إخسر، بس ما بيسوى هلقدّ إربح…». كلام بأبعاد متفرعة يصوّب خصوصاً على الحليف القريب أي «حزب الله». بعدها بدقائق خرج وزير الدفاع موريس سليم ينذر رئيس الحكومة من مغبة مخالفة قانون الدفاع، وقال إنّ المخارج كثيرة وفي حال لم يلتزم ميقاتي أياً منها فـلن أتعامل مع أي واقع ينتج من تخطي صلاحياتي».
أوحت الأجواء المتوترة منذ ساعات الصباح الأولى أنّ شيئاً دفع رئيس الحكومة للتهرب من عقد الجلسة بقصد تحويل ملف قيادة الجيش إلى مجلس النواب لبتّه. خطوة تحرج رئيس المجلس نبيه بري الملتزم الوفاء بوعده لـ»القوات» بطرح مشروع القانون الذي تقدمت به للنقاش في الجلسة العامة.
وورد في أسباب التأجيل ما نقلته مصادر «الثنائي» من رفض رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الموافقة على تعيين رئيس للأركان التزاماً بمبدئه رفض التعيينات في ظل غياب رئيس للجمهورية ما جعل من غير الممكن اكتمال نصاب الجلسة إذا تغيّب وزراؤه، فتم «تطييرها». وحسب ما تقول مصادر «الثنائي» فإن موقف «المردة» أحرج «حزب الله» وأربك بري الذي أعطى وعداً لـ»القوات» ببتّ التمديد للقائد ولم يعد بإمكانه التراجع عنه. فهل يمكن ألا يكون فرنجية نسّق موقفه مسبقاً مع «الثنائي» حتى يفاجأ به ويربكه؟ أم أنّ موقف «المردة» لم يكن إلا الحجة التي كانت سبباً في التراجع عن الجلسة في اعقاب موقفي باسيل ووزير الدفاع؟ وهل تهرّب ميقاتي من تبعات جلسة التمديد، خاصة في ضوء تعثر امكانية التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان؟
في توصيف مصادر «التيار» لما حصل في الحكومة، «ما بيصح الا الصحيح». وفي توصيف الثنائي «إرباك في آخر لحظة». أما في الوقائع فقصة التمديد صارت عنواناً للصراع مع الأميركيين المتمسكين ببقاء القائد الحالي ودونها حسابات داخلية وكيديات سياسية وضغط خارجي أميركي وفرنسي.