Site icon IMLebanon

حكومة غبّ الطلب: الثنائي تخطّى مكسب الدوحة

 

 

من الصعب على قوى سياسية تخطي قرار الثنائي أمل وحزب الله العودة إلى مجلس الوزراء، وحصره في التبريرات الاقتصادية التي أعطيت له، لأنه سيصبح مثالاً في إدارة الأزمات مستقبلاً

 

مع إعلان ثنائي حزب الله وحركة أمل العودة إلى مجلس الوزراء، أمسك الطرفان بالمشهد السياسي من ألفه إلى يائه.

 

لا يتعاطى الطرفان مع الانتخابات وكأنها الهمّ الذي يأكل من صحنهما. ففيما تنصرف القوى السياسية الأخرى إلى تصويب اهتماماتها نحو الانتخابات وبرامج العمل واختيار مرشحيها والمفاضلة بينهم، يتصرف الثنائي بالعكس تماماً. يتعاطى مع الانتخابات على أنها من باب استكمال عدة الشغل السياسي لا أكثر و لا أقل. ولأن الطرفين مرتاحان إلى حصصهما وتقاسم المرشحين والدوائر والمقاعد، ولأن الانتخابات لديهما ليست ورقة طارئة تحتاج إلى استنفار، يتصرفان على قاعدة العمل بما تيسّر، مع إضافة تتعلق بالمساهمة في معالجة الثغرات وتمتين أوضاع حلفائهما. في هذه النقطة، يبدو حزب الله أكثر اهتماماً بالموضوع، كونه معنياً أكثر من أمل بالسعي إلى ترتيب ما يحتاجه حليفه التيار الوطني الحر.

من هنا، كان إعلان الطرفين عودتهما إلى مجلس الوزراء، بما واكبها من تبريرات وخلاصات، بمثابة استكمال للمسار السياسي المعهود. أي أنه إعلان سياسي بكل ما للكلمة من معنى، ولن يقتصر تأثيره على المرحلة الآنية فحسب. فهذه العودة لا تزال محور قراءات داخلية حول مفاعيلها وليس أسبابها، لأنها ستصبح محطة مفصلية بين مرحلتين: ما قبل تعطيل مجلس الوزراء وما بعد الإفراج عنه.

 

بعد تكريس طريقة تركيبة الحكومة زاد الثنائي أعرافاً جديدة بتحديد جدول أعمالها

 

 

نجح الثنائي، للمرة الأولى منذ عام 2008، في تخطي ما كسبه في اتفاق الدوحة لجهة ما يتعلق بتشكيل الحكومة وقرارات مجلس الوزراء والثلث المعطل. وبعدما قطف ثمار هذا الاتفاق لسنوات، زاد عليه أعرافاً جديدة. وبعد تكريس طريقة تركيبة الحكومة، التي عُمل بها منذ الاتفاق، أضاف عليها، مع الطريقة التي أخرج بها عودته إلى الحكومة، تحديد جدول أعمالها. وهذا الإخراج ليس مجرد تبرير لعودة تحت ضغط الشارع لأسباب معيشية أو بسبب الموازنة ومفاوضات صندوق النقد، لأنها تعبّر عن أسلوب يتم التعاطي به منذ سنوات مع إدارة الأزمات، ومرجح لأن يكون نموذجاً لمعالجة الأزمات المستقبلية. والقضية هنا لا تتعلق بتخطّي دور رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة فحسب، بسبب صلاحيتهما ومسؤوليتهما في تحديد جدول الأعمال. إذ إن اشتراط الثنائي لم يمرّ من دون رضى رئيسي الجمهورية والحكومة، وهذا يعني أن الثنائي ربح الثلث المعطل والميثاقية، بفضل تغطية التيار الوطني الحر، وجدول الأعمال. ويوازي ذلك ما ربحه سابقاً من خلال الممارسة طوال سنوات مع حليفه رئيس الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب، لا سيما في ما ذهبت إليه أخيراً من فرض مرجعيتها في تفسير الدستور وفي إدارة الجلسات وتحديد جدول أعمالها، ما يختصر كل المفاتيح الأساسية في يديه. تبعاً لذلك، يمكن التعاطي مع أسلوب الثنائي على أنه تتمة منطقية لأسلوب جرى اعتماده سابقاً وأثبت فعاليته. لكن، في المقابل، يمكن إثارة أسئلة حول موقفي الرئيسين عون وميقاتي مما جرى. فعون كان ولا يزال يرتدّ على أي طرف يحاول أن يمس بصلاحياته، واشتباكاته وباسيل مراراً مع الحريري، حتى مما قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، ومع رئيسي الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، كانت تحصل لأسباب أخفّ وطأة من خطوة الثنائي. ورؤساء الحكومات السابقون بدورهم غالباً ما كانوا ينتفضون لأي محاولة تحديد صلاحيات رئيس الحكومة، فكيف ارتضوا بكل سهولة تمرير ما حصل، واستجاب ميقاتي لموقف الثنائي وسارع إلى الترحيب به؟

قد يعمد الرئيسان ومن حولهما إلى تبرير قبولهما، تماماً كما برر الثنائي، بالأوضاع الاقتصادية والمالية. لكن كيف سيبرران لاحقاً المطبات التي سيواجهها مجلس الوزراء عند عقد أخرى ستتكرّر من الآن وصاعداً، إذا لم يحصل أي طرف في الحكومة على ما يريده من طاولة مجلس الوزراء.

في مقابل فرض الثنائي إيقاعه، ماذا فعلت القوى السياسية الأخرى؟ من دون استثناء، تخوض هذه القوى، من الآن وإلى أيار المقبل، معركة الانتخابات وكأنها حاصلة حكماً. فلا كلام سياسياً، بل إن خطاب هذه القوى لا يتعدى الاستحقاق النيابي وتشكيل اللوائح، فيما الكلام الجدي السياسي، يملكه حصراً الثنائي. وحتى حليفه التيار الوطني منغمس حتى العظم في معركة الانتخابات وتحديد الأحجام. أما عودة مجلس الوزراء فمن باب التعيينات وإعادة تركيب صفقات بالتراضي بينه وبين حلفائه في الحكومة التي أصبحت غبّ الطلب. ومن الآن بدأ يلوح شبح المشكلات التي ستكون أمامها، كلما اقترب موعد الانتخابات واحتاج أي طرف سياسي إلى مزيد من القنابل السياسية.