Site icon IMLebanon

هكذا اعتكف الثنائي الشيعي… وهكذا كانت “العودة المشروطة”

 

 

 

لم تعد المواجهة التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري ضدّ العهد، ممثلاً برئيس الجمهورية ميشال عون وبرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، خفيّة. وهو أعلنها «حرباً شاملة» لما تبقى من أيام العهد. يريدها مرحلة «ميّتة سريرياً» تحول دون تجيير أي انجاز لمصلحة باسيل ما يفرض عليه خوض الاستحقاق النيابي وهو في أضعف حالاته. ولهذا، وحين وقع الخلاف حول كيفية التعامل مع التحقيقات العدلية والقاضي طارق البيطار، سارع بري إلى تغليب خيار تعليق المشاركة في الحكومة، ليرمي بذلك عصفورين بحجر واحد: تحويل قضية التحقيقات في المرفأ إلى قضية اشكالية، وشلّ حكومة نجيب ميقاتي التي يريدها باسيل آخر فرصة لتحقيق بعض الانجازات قبل الغرق في مستنقع الوحول الانتخابية وقبل أن تقفل روزنامة عهد الرئيس عون على آخر أيامها.

 

بهذا المعنى تؤكد مصادر الثنائي الشيعي أنّ بري هو صاحب فكرة الخروج من الحكومة، وهو كان أكثر المتحمسين لتجميد جلسات مجلس الوزراء. يصوّب على البيطار، لكنّ العهد برمّته في مرماه. ولهذا لم يُرفع «الحُرم» عن المشاركة في مجلس الوزراء إلا بعد أن أعطى رئيس مجلس النواب بركته لهذا الطرح. ولكن لماذا اليوم؟

 

تجيب المصادر أنّ الفكرة عادت إلى التداول السياسي مذ أن أعاد باسيل إحياء طرح «التسوية الكبرى» التي كانت رباعية الأضلع: المجلس الدستوري – التشكيلات القضائية – لجنة التحقيق البرلمانية – تفعيل جلسات مجلس الوزراء. إلّا أنّ عاملين أساسيين حالا دون نضوج التسوية وأطاحا بها: أولاً التسريبات غير البريئة التي حرقت الطبخة، ثانياً رفض رئيس الحكومة أن يكون جزءاً من تلك التسوية التي كانت تفرض عليه المشاركة في طبخة التشكيلات القضائية.

 

ما يعني، أنّ سيناريو العودة لم يكن مفاجئاً أو انبعث من العدم، وبات ممكناً كونه صار حاجة لكلّ الأطراف. فرئيس الجمهورية ومعه رئيس «التيار الوطني الحر» لا يترددان في التعبير علناً عن انزعاجهما من أداء الثنائي الشيعي كون العهد بات في آخر أيامه فيما الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية تؤلّب الجمهور المسيحي ضدّ الفريق العوني وهذا ما ستكون له أثمان باهظة في صناديق الاقتراع اذا ما فتحت. رئيس الحكومة يطالب ببتّ الحدّ الأدنى من الأمور كمشروع الموازنة وبعض القرارات الأساسية التي بدورها عُلّقت بسبب امتناع رئيس الجمهورية عن توقيع المراسيم الجوالة أو الموافقات الاستثنائية… أمّا الثنائي الشيعي فقد «جرّب» العديد من وسائل الضغط لتطيير القاضي بيطار، ولم ينجح: النزول إلى الشارع، الاعتكاف، التهديد بالاستقالة من الحكومة، وحتى «التسويات الكبرى» سقطت. وصار الجميع يتصرف على قاعدة: ما باليدّ حيلة!

 

هكذا، بدت كلّ الأطراف الحكومية مأزومة، ولو بنسب غير متكافئة. ولذا كان لا بدّ من خطوة ما تكسر الجمود وتسمح ببعض الحراك الحكومي، ولو «الترقيعي» الذي قد يحول دون تفاقم الوضع الاقتصادي- الاجتماعي أكثر.

 

على هذا الأساس، كان بيان الثنائي الشيعي حاسماً في توصيفه الأسباب التي أملت عليه العودة، كما في تحديده جدول أعمال الحكومة، اذ جاء فيه «لقد تسارعت الاحداث وتطورت الأزمة الداخلية سياسياً واقتصاديا إلى مستوى غير مسبوق مع الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية وتراجع القطاع العام وانهيار المداخيل والقوة الشرائية للمواطنين ولذا فإننا استجابة لحاجات المواطنين الشرفاء وتلبية لنداء القطاعات الاقتصادية والمهنية والنقابية ومنعاً لاتهامنا الباطل بالتعطيل ونحن الأكثر حرصاً على لبنان وشعبه وأمنه الاجتماعي، نعلن الموافقة على حضور جلسات مجلس الوزراء المخصصة لإقرار الموازنة العامة للدولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي وكل ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي والحياتي للبنانيين».

 

ما يعني أنّه أصرّ على تغليب الاعتبار الاجتماعي – الاقتصادي على غيره من العوامل المؤثرة، وذلك لقطع الطريق على الاعتبارات السياسية التي تحيط بالوضع اللبناني، والمقصود بها، تلك الحاصلة اقليمياً على المستوى السعودي – الايراني، ودولياً على مستوى المفاوضات النووية. ثمة تأكيد من جانب الثنائي الشيعي أنّ التعقيدات كانت محلية الطابع، وحلحلتها، كانت كذلك.

 

بالنتيجة، وتحت العنوان الاقتصادي الذي رفعه الثنائي الشيعي للعودة إلى بيت الطاعة الحكومي، سيلتئم مجلس الوزراء من جديد، ليبحث في كلّ شيء تقريباً، إلا في التعيينات. هنا، يضع الرئيس بري خطّاً أحمر تحت أي قرار قد يتخذه مجلس الوزراء في هذا الشأن. يرفض أن يحصّل باسيل أي تعيين جديد. ولهذا، فإنّ المشاركة في جلسات مجلس الوزراء ستبقى «مشروطة» إلى حين اجراء الانتخابات النيابية. ومن بعدها لكلّ حادث حديث. بالأساس، فإنّ وضع خطة التعافي أو أي خطة ثانية، للكهرباء أو أي قطاع حيوي آخر، يحتاج إلى مزيد من الوقت، لن يكون متاحاً لهذه الحكومة اذا ما انخرطت في الانتخابات. وبالتالي، سيكون جدول الأعمال محصوراً بالشؤون الأساسية الملحّة لتمرير المرحلة بأقل الأضرار الممكنة.