لا تزال ارتدادات الفراغ الرئاسي تتجلّى فصولاً في المشهد السياسي اللبناني، تارةً عبر تعطيل جلسات مجلس النواب، وطوراً عبر نشر الشلل المؤسساتي إلى مختلف مرافق الدولة وآخرها مجلس الوزراء، خاصة مع امتداد الفراغ وتضارب المصالح وتحوّل الملفات الحياتية اليومية إلى مادة تجاذب يحاول كل فريق تحقيق المكاسب منها وكأنها مشروع إنتخابي خاص.. فإذا بأموال الخليوي تقع في دائرة التنافس على صرفها بين وزارتي المالية والإتصالات، فإذا بهذا الحجب ينعكس سلباً على إنماء البلديات وخدماتها.. وإذا بهذا النموذج التعطيلي ينسحب على أكثر من ملف وعدد من الوزارات، دون أن تنجح المصلحة العامة والظرف الراهن في دق ناقوس الخطر حول ضرورة تجاوز هذه المرحلة الدقيقة بأقل أضرار ممكنة عبر التعالي عن الخلافات الضيّقة وتسيير شؤون المواطن اليومية بعيداً عن المساومة والتعطيل!
ويبقى الملف الرئاسي الأكثر إلحاحاً، وإذا كان تعطيله يبدأ من عدم قدرة الفريق المسيحي على التوافق على مرشح، بغضّ النظر عن تصنيفه كمرشح قوي أو توافقي أو وطني.. إلخ.. يمكن قراءة بعض الخطوات نحو الأمام من خلال الحوار القواتي – العوني من جهة، ولو أنه حاول اختصار الموقف المسيحي بحصرية تمثيله، واللقاء التشاوري من جهة أخرى الذي يسعى لاستعادة التوازن على الساحة المسيحية وإعادة إطلاق المبادرة بما يناسب الحاجة الوطنية وليس الأهواء والمصالح الخاصة، مما يعني تصويب المسيرة داخل مجلس الوزراء وصولاً الى الملف الرئاسي!
إن تعطيل آخر مؤسسات الدولة الفاعلة في هذا التوقيت تحديداً يُثبت نظرية المؤامرة التي لم تترك لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي سعت حينها وحتى اليوم إلى تعطيل كل مرفق طور النمو أو قابل للتطوّر والإزدهار، وكأنه كُتب على الوطن الصغير أن يبقى رهينة الصفقات الإقليمية، يدفع أثمانها دون أن يقطف ثمارها! وبالتالي، إسقاط ورقة التوت عن الدولة يعني الشلل الكامل ودخول لبنان في نفق المجهول، في حين تستعر المواجهات حوله وعلى حدوده، دون أن يتحلّى بالحد الأدنى من القدرة على المواجهة وردّ الفتن إلى خارج سياجه.. إنه يعني أن ندخل جميعاً بالفوضى الهدّامة التي تهدف أولاً وأخيراً الى إفراغ الوطن من مقوماته والدولة من مؤسساتها!
من يتحمّل هذه المسؤولية التاريخية وهل يستعيد اللبناني قدرته على المحاسبة أم أن الإستسلام بات سمته الدائمة؟