Site icon IMLebanon

«القيصر» والمرشد و«السلطان»: نحو المواجهة الكبرى؟!

عام 1514، وقعت معركة «جال ديران» بين السلطنة العثمانية والمملكة الصفوية، فكانت آخر الحروب المباشرة بعد أن انتصر العثمانيون فيها. عام 1639 وقّع العثمانيون والصفويون معاهدة «أرضروم الثانية» بعد انتهاء الحرب بينهما في العراق. حالياً، الحرب الكلامية مشتعلة بين أنقره وطهران وموسكو، فهل يكرر التاريخ نفسه في حرب مباشرة أو غير مباشرة فوق الأرض السورية خصوصاً أن سوريا تشكّل امتداداً للأمن القومي التركي، مثلما أن العراق يشكل العمق للأمن القومي الإيراني مع توقيع معاهدة «زهاب» عام 1639 أولاً ثم معاهدة «أرضروم الثانية».

التصعيد يكاد يكون يومياً بين موسكو وطهران من جهة، وأنقره من جهة أخرى، منذ إسقاط السوخوي 24 في 24 تشرين الثاني الماضي. في البداية بدت طهران مُحرجة فعملت على تهدئة الموقف، ودعت إلى عدم المواجهة لأنه لا مصلحة لأحد في التصعيد. المرشد يعرف جيداً أنه الخاسر الكبير من التصعيد فهو لن يتخلى عن «القيصر» حليفه الجديد، ولا يريد المواجهة، فالصدام مع تركيا ومنافسه «السلطان»، خصوصاً أن إيران وتركيا تتشاركان في حدود مشتركة طولها 499 كلم الى جانب مشاركتهما في الحدود العراقية والسورية.

محاولات التهدئة فشلت، التصعيد أصبح سيد الموقف على كل الجبهات. شريط الأحداث يؤكد ذلك. البداية كانت في الكشف عن «مشادة هاتفية» بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وحسن روحاني. قيل إن «السلطان» وجّه «تحذيراً» للرئيس الإيراني. لم يكشف طبيعة التحذير ولا مضمونه. حدّة الردود الإيرانية المضادة تؤكّد حدّة «المواجهة الرئاسية».

علاء الدين بروجوردي المتشدّد سارع الى التصعيد فقال: «إن إسقاط الطائرة الروسية خطأ فادح. وعلى إردوغان حل مشكلات تركيا بدلاً من توجيه الاتهامات». الرد الفعلي والتصعيدي جاء من علي ولايتي المستشار الأول للمرشد، فقال: «إيران صاحبة تاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين، وعلى الأشخاص (أي إردوغان) أن يتحدّثوا بقدر أحجامهم». الاستقواء الإيراني وصل في هذا التصريح إلى درجة تناسي الجارة تركيا بكل ثقلها الجغرافي والتاريخي والعسكري والعضو في الحلف الأطلسي.

فوراً سارعت أنقره إلى «القصف» بقوة وذهبت الى قلب أسباب الخلاف. فقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو: «إن سياسة إيران الطائفية خطيرة على المنطقة، ومن مسؤولية إيران الحد من التوتر بين موسكو وأنقره«. وسارعت أنقره الى الكشف عن إرسالها قوة من مئات الجنود الى الموصل، لتذكّر بهم طهران بوجودها وبوقائع التاريخ.

من الصعب التصديق بأن كل هذا التصعيد وقع فجأة ولم تكن أسبابه كامنة. تركيا وهي تذكّر طهران خصوصاً بحضورها الجغرافي والتاريخي في الموصل أرادت أيضاً الضرب بقوة على الأرض بأنها لن تقبل بسيطرة إيرانية على العراق. بذلك رسمت أنقره «حدوداً حمراء« لا يجب تجاهلها. ما رفع من حدة الموقف التركي، أن العمليات الجوية الروسية بالمشاركة الأرضية من الإيرانيين في سوريا، تهدف إلى السيطرة على الشمال السوري باختصار شديد كما ركزت معظم التعليقات التركية. إن «القيصر» والمرشد يخوضان حرباً تستهدف تركيا أولاً. شمال سوريا يشكل «عقدة أخيل» لتركيا.

باختصار، وكما قيل لموسكو مباشرة: «إن سوريا بالنسبة إلينا، هي أوكرانيا بالنسبة إليكم. أبعد من ذلك، ذهب التحذير التركي عبر الإعلام: «لا يمكن لنا السكوت عن إبعادنا عن سوريا وخصوصاً عن شمالها، لأنّ تخلّينا عن عمقنا الإستراتيجي يعني اندلاع حرب داخلية وتقسيم الدولة»، في إشارة واضحة إلى المشكلة الكردية وحتى «الجيب العلوي» في تركيا». ولم تكتف أنقره بالتحذيرات الإعلامية فقد ذهب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إلى أن «موسكو تقوم بعملية تطهير إثني ضدّ السنّة والتركمان في الشمال السوري». طبعاً هذا ليس مقبولاً ولا مسموحاً.

«السلطان«، رغم العائدات السلبية للمواجهة مع «القيصر» والمرشد، لا يبدو قلقاً ولا خائفاً، لأنّ الحرب صعبة وخطيرة، حتى ولو كان السلام صعباً. ما يعزّز ذلك، أنّ الخيارات قليلة. «القيصر» عاجلاً أو آجلاً عليه إما النزول إلى الأرض والاشتباك مع المكوّن السنّي مباشرة عبر الأغلبية المطلقة للسنة السوريين، ومن أخطاره على الداخل الروسي (20 مليون مسلم سنّي) ومحيطه في الجمهوريات الآسيوية، واما الاندفاع نحو الحل السياسي من دون الاعتماد على إمكانية فرض «عاصفة السوخوي»، تغييراً إستراتيجياً على الأرض.

تطوّر المواجهة بين «السلطان» والمرشد و»القيصر» يفتح الباب نحو تفاهم تركي سعودي، هدفه إضعاف المرشد أساساً و»القيصر» ضمناً. هذا التفاهم مهم جداً وممكن جداً خصوصاً أنّ أنقره والسعودية ومعهما دول الخليج العربي تتفق على هدف جوهري وهو «رحيل الأسد بالحل السياسي أو بالحل العسكري».

من الآن وحتى يقتنع «القيصر» بأن الواقع أقوى من «أحلامه»، وأن يستوعب المرشد بأنّ للاستقواء على صياغة النفوذ لا يمكنه كسر حدود الواقع، وأن يقبل «السلطان» بأن له حقوقاً ولكنه إن لم يقبل بما تسمح له التوازنات الدقيقة والصعبة، خصوصاً مع وجود الحلف الأطلسي الذي لا يريد الانزلاق في أي مواجهة عسكرية، فإنّ التصعيد غير المباشر في سوريا والعراق يبقى سيد الموقف من دون إقدام أحد الثلاثة على إثبات صلابته في «الروليت الروسية».