IMLebanon

«القيصر» يُمسك بالمنطقة من تل أبيب إلى طهران!؟

إنقلبَ مضمون التقارير الديبلوماسية الواردة من موسكو حول الملف السوري، وبدلاً من الحديث عن التنسيق اليومي مع واشنطن، باتت تتحدّث عن استراتيجية روسيّة جديدة في اتّجاهين متناقضين شكلاً ومتلاقيَين في الجوهر. الأوّل يدعو إلى مزيد من التنسيق مع تل أبيب التي تستعدّ لأوّل وأكبر مناورات معها في البحر المتوسط، والثاني مع طهران استعداداً لمناورات حقيقية على الأراضي السورية. كيف ولماذا؟

تتحدّث التقارير الديبلوماسية الواردة من موسكو عن كثير من الغضَب الروسي من توجّهات الإدارة الأميركية في شأن الملف السوري وصولاً إلى استشرافها بوجود مخطّط أميركي يُعيد التجربة الروسيّة الصعبة التي عاشتها في أفغانستان نتيجة عجزِ حلفائها المحلّيين في سوريا عن القيام بالمهمّات العسكرية المتبقّية لها في المواجهات المفتوحة على أكثر من جبهة من محيط العاصمة إلى الشمال السوري وصولاً إلى عمق الريف الحلبي.

وفي تقرير وضَعته إحدى المؤسسات الروسية المتخصّصة في قضايا الشرق الأوسط والمتعاونة مع الحكومة المركزية الروسية، تحذير بالغ الشدّة للعمل ما بوسعِها لعدم تكرار التجربة الروسية في أفغانستان.

وهي التي رصَدت مِن قبل تحذيرات قويّة من مخاطر انزلاق القوّة العسكرية الروسية في العمليات الحربية في محيط حلب عقبَ التقارير التي تحدّثت عن موجة تسليح غير مسبوقة لفصائل المعارضة السوريّة المعتدلة والأكراد، ولا سيّما عند بروز الأسلحة المتطوّرة تجاه الآليّات المدرّعة وسلاح الطيران السوري في حوزتها.

يقول التقرير بكلّ وضوح إنّ الإدارة الأميركية لا ترغب بأيّ حلّ في المرحلة الحالية، وتريد تمريرَ الوقت الفاصل بين ما هو عليه الوضع اليوم والانتخابات الرئاسية الأميركية، ولا مصلحة لها بالوصول إلى مرحلة الحلول السياسية.

وإنّ انغماس الروس وحلفائهم في العملية العسكرية سينعكس مزيداً من الخسائر الاقتصادية والسياسية لموسكو وطهران ودمشق في آن. ذلك أنّ مِثل هذا الواقع يُسهّل الوصول إلى الانتخابات الرئاسية بما يُعزّز حظوظ هيلاري كلينتون في الانتقال إلى البيت الأبيض لضمان بقاء حزبه في رأس السلطة.

وعليه، يرى التقرير أنّ إصرار الأميركيين على استدراج الروس إلى مزيد من اتفاقات وقفِ النار المرحلية على الجبهات الساخنة المتفرّقة يشكّل بالنسبة إلى واشنطن الآليّة الفضلى للحفاظ على الستاتيكو القائم على الأرض. فمراحل التهدئة سَمحت بأن تتّخذ المجموعات السورية المسلّحة مزيداً من الوقتِ لتعزيز قدراتها وللتدرّب على أنواع جديدة من الأسلحة التي دخلت إليها من مصادر عدة ودوَل من الحلف الدولي عبر الأراضي التركية.

كما سَمحت بإعادة تنظيم هذه الفصائل وتجميعِها تحت مسَمَّيات جديدة، منها «قوات سوريا الديموقراطية». وتلك التي أنشِئت حديثاً من وحدات متفرّقة كانت تفاوض «النصرة» للانضمام إليها، وأخرى ترَكت «داعش» وأبرَمت تفاهمات محلّية في عدد من المناطق على نطاق ضيّق قبل أن تتجمّع في ألوية ومجموعات محلّية.

ويلتقي مضمون هذا التقرير مع بدء التحوّلات في السياسة الروسية التي تستعدّ لخطوات عسكرية في بعض المناطق لمنع أيّ تحوّلات تسيء إلى الستاتيكو القائم. لا بل إنّ موسكو تخشى من تحوّلات ليست في مصلحة النظام ومؤيّديه بمجرّد اضطرارها إلى الدفع بقوّات إضافية روسية تزيد من حجم انغماسها في الحرب السورية.

وعلى جبهة موازية، تتحدّث التقارير الديبلوماسية عن توجّه روسيّ جديد لمواجهة الضغوط الأميركية المتزايدة في أزمة أوكرانيا لإلهائها عمّا يَجري في سوريا وتشتيت قواها الديبلوماسية على أكثر من جبهة. لذلك فقد دلّت التوجّهات الروسية إلى ما يشبه الانقلابَ في الملف السوري وهو يتجلّى على محورَين يَحملان تناقضات كثيرة في ما هو معلَن من علاقاتهما الخارجية على الأقل في الشكل، وهو ما تلخّصه موسكو بخيارَين:

– الأوّل، دفعَ بها إلى تعزيز كلّ أشكال التعاون مع تل أبيب، وجاءت زيارة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في السابع من حزيران الجاري مناسبةً للكشف عنها، ولعلّ أبرزَها التفاهم على إجراء مناورات هي الأولى من نوعها لسلاحَي البحرية والطيران في عمقِ البحر المتوسط، وهي أقرب منطقة إلى الجغرافيا السورية التي ستشكّل قاعدةً برّية للمناورات وستَستخدم فيها روسيا قواعدَها الجديدة في حميميم قرب اللاذقية والشعيرات قرب حمص، فيما ستَستخدم إسرائيل قواعدها الجوّية في حيفا وأشدود.

– الثاني، تعزيز كلّ أشكال التعاون العسكري مع كلّ مِن طهران ودمشق نتيجة الاجتماع الثلاثي لوزراء دفاع البلدان الثلاثة الذي عُقد في طهران الخميس الماضي وشكّل، باعتراف أطرافه، محطّةً تاريخية في العلاقة بين هذه البلدان في مواجهة واشنطن والحلف الدولي.

وبناءً على ما تَقدّم، ينتهي المطّلعون على التقارير الواردة من موسكو إلى نتيجة واحدة تتحدّث عن الاستعدادات الجارية على كلّ صعيد لموجةٍ جديدة من العنف تَبرز فيها تطوّرات استراتيجية بالغة الدقّة بمجرّد أنّ القيصر الروسي باتَ يُمسك بتفاهماته الجديدة بالمحورَين المتصلين بالأزمة السورية من تل أبيب التي عبّرت عن النيّة بتملّك أسلحة روسية والتنسيق مع موسكو للمرّة الأولى، فيما يبدو أنّ بوتين نفسَه بات يمسِك بالمحور السوري – الإيراني بتفاهمات غير مسبوقة.

وهو ما طرَح سؤالاً لا جواب عليه راهناً، ومفادُه: ما الذي سيتغيّر بالنسبة إلى موسكو في ظلّ المعادلة الجديدة التي أمسكت بها المنطقة من ناصيتَيها، تل أبيب وطهران، وكيف سيَردّ الأميركيون؟