IMLebanon

“قيصر” على سوريا… و”نيرون” على لبنان!

 

قانون حماية المدنيين السوريين يدخل حيّز التنفيذ ويزيد “الضياع” داخلياً

 

كتّفت الدولة يديها و”بلعت” لسانها، عندما وضعت الادارة الاميركية قانون قيصر موضع التنفيذ منتصف هذا الشهر. أكثر ما استطاعته الحكومة هو توزيع القانون على الوزراء للإطلاع، لأن من واجبهم أن “يكونوا على بيّنة”، وغابت عن السمع. فلم نعرف إن كانت “مع” أو “ضد”. وما سيرتّبه التوافق او التعارض مع القانون، من نتائج على الافراد والمؤسسات، وبالتالي على الاقتصاد. فهل تحسم الحكومة الخيار أم تستمر بوضعه في المنطقة الرمادية تحت ستار دور لبنان في إعادة إعمار سوريا، وبالتالي الالتفاف على القوانين الدولية وكشف لبنان على نار الصراعات الإقليمية “النيرونية”؟.

قانون “قيصر” لحماية المدنيين السوريين، يرتّب بشقه الاقتصادي عقوبات على المتعاونين مع النظام في سوريا، تتدرج من المقاطعة إلى تجميد الاصول وصولاً إلى مصادرتها. أما السبب فهو اضطلاع المصرف المركزي السوري بعمليات تبييض أموال، وحظر التعامل دولياً مع الحكومة السورية في ما يتعلق بقطاعات التكنولوجيا والبترول ومعدّات الطيران، وحماية حقوق المدنيين السوريين، بمنع عمليات الاستيلاء على الاراضي وإعادة البناء على ممتلكات المهجّرين.

 

تداخل المصالح

 

أسبابٌ جوهرية تفرض المسؤولية الوطنية التوقف عندها، ودراستها بكثير من التمعّن والتفصيل والخروج بنتائج منطقية. فالصغير في لبنان يعرف قبل الكبير حجم التداخل الاقتصادي بين لبنان وسوريا. فعدا عن كونها ممراً مفصلياً للصادرات اللبنانية الى الدول العربية، فهي تستورد من لبنان ضعف ما تصدّر اليه (من الناحية الشرعية). فالصادرات اللبنانية الى سوريا منذ العام 2013 ولغاية العام 2018 بلغت بحسب احصاءات وزارة الصناعة نحو 1.5 مليار دولار فيما الواردات لم تتجاوز الـ767 مليوناً، أي بفائض في الميزان التجاري لمصلحة لبنان بلغ حدود 734 مليون دولار. رقم يطرح مصير التجارة مع الجهات السورية، من تجار ومستوردين ومؤسسات وجهات قد تكون على علاقة مع النظام بألف شكل وشكل. فهل ستتوقف هذه التجارة ويفقد المصنعون اللبنانيون وتحديداً في مجال اعمال الباطون والمواد الغذائية هذا المتنفس. ومن جهة ثانية فان البناء على فكرة تحوّل لبنان إلى ساحة خلفية لإعادة إعمار سوريا، انطلاقاً من مناطقنا الشمالية وما تتضمنه من مرفأ في طرابلس وسكة حديد ومطار في القليعات، قد أصبح مستحيلاً. أما عودتها الى الحياة مع باقي القطاعات فمرهونة بتغيير النظام في سوريا، وهذا بدوره رهن بتحولات أكبر في لبنان والقطاعات التي تعاني من الانكماش. وفي الشق المالي فان للقطاع المصرفي اللبناني 7 مصارف ذات مساهمات في بنوك محلية عاملة في سوريا. وهي: بنك سوريا والمهجر، عودة، وبنك بيبلوس، وبيمو، وفرنسبنك، بنك الشرق وبنك سوريا والخليج. فهل ستتأثر المصارف الام بالعقوبات وكيف؟

 

غياب الدولة

 

“مروحة المصالح الاقتصادية الواسعة مع سوريا وغيرها من الدول التي ترتبط بها، لم تحث الحكومة على بذل أي جهد وارسال الموفدين والسفراء إلى عواصم القرار لشرح موقف لبنان ومصالحه الاقتصادية ومحاولة ايجاد الاستثناءات”، يقول المحامي عيسى نحاس. “فمصلحة لبنان، خصوصاً في هذه الظروف يجب ان تبقى فوق كل اعتبار. ذلك لان النتائج السلبية للعقوبات لن تظهر جلية اليوم، بل ستنعكس سلباً في المستقبل. مرة في العلاقات التجارية المباشرة مع سوريا ومرة في العلاقات مع الدولة التي ترتبط بسوريا كالاردن وتركيا على سبيل المثال ومصير التبادل عبر “كسب” و”نصيب” وغيرها من المعابر الحيوية”.

 

وبرأي نحّاس فان “قيصر” سيفرض اليوم على التجار والممولين والمستثمرين حسم خياراتهم بالتعامل مع الشرق أو الغرب. فاذا كان الجواب مع الاول، فهذا يعني منعهم من التداول دولياً، وتجميد حساباتهم المصرفية وتوقيف مقاصة شيكاتهم وحظر فتح حسابات مصرفية لهم… وغيرها الكثير من العقوبات التي قد تطالهم وتوقف اعمالهم”. وهذا ما يدفع إلى التساؤل عن مدى تجاوب الجهات المصرفية اللبنانية، وتحديداً المصرف المركزي مع هذه العقوبات. فعدم الالتزام يعني خسارة كيانات اقتصادية بجرة قلم، ومثال “جمال ترست بنك” خير شاهد. واذا تجاوبت، فهذا يعني خنقاً للكثير من القطاعات والمؤسسات. من هنا فان رأي نحاس هو “رفض الحكومة السير بالقرار والقول ان لبنان أضعف من ان يتحمل تطبيق هذا القانون”.

 

لكن هل يستطيع لبنان المواجهة؟ وماذا سيترتب على عدم امتثال المؤسسات والمصارف اللبنانية للقرار؟

 

“فرض” قيصر

 

“لا”، يجيب الخبير الاقتصادي د. وليد أبو سليمان. “فالاقتصاد اللبناني مدولر، ونحن نتفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي تملك فيه الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو”، للحصول على المساعادات. وبالتالي فان عدم الامتثال للقانون الاميركي سيُفشل مساعي لبنان الطامح إلى الانقاذ”. يشبه البعض الامتثال لقانون قيصر بـ “السير بين نقاط الامطار لتجنب البلل”، وهو عملياً يعتبر أمراً مستحيلاً. وبحسب أبو سليمان فان المصارف اللبنانية المتواجدة في سوريا يجب ان تكون حذرة بالتعامل مع زبائنها من جهة، ومع المصرف المركزي السوري المتهم بتبييض الاموال من جهة ثانية. أما المصارف اللبنانية فعليها التحقق من الودائع الموجودة في خزائنها (أو الاصح على حواسيبها) وما اذا كانت مرتبطة باشخاص أو بمؤسسات على علاقة مع النظام السوري”. خلطة الاوراق المالية والتجارية الجديدة التي أحدثتها عاصفة “قيصر” الاميركية، قد تستثني بعض المجالات في لبنان كاستجرار الطاقة والمرور عبر المعابر الحدودية. إلا انه على الرغم من ذلك ستبقى الاضرار كبيرة جداً. وذلك بالنظر إلى الترابط العضوي بين الاقتصادين اللبناني والسوري، و”تراجع الناتج المحلي الاجمالي في لبنان بنسبة 0.2 في المئة مع كل تراجع بنسبة 1 في المئة لمثيله السوري”، يقول أبو سليمان بالاستناد إلى آخر الدراسات.

 

قيصر والتهريب

 

صحيح ان الخسائر المباشرة ستكون باهظة وقد تصل يومياً الى 150 مليون دولار، الا ان الخسائر غير المباشرة الناتجة عن التهريب قد تكون أكبر وأخطر. فاستمرار تهريب بعض شركات المشتقات النفطية المازوت الى سوريا، لن يعرضها وحدها للعقوبات بل قد يدرج لبنان على لائحة الدول الممولة للارهاب. وهو ما سيحمل نتائج كارثية على كل المستويات.

 

من دون “دف” قيصر كنا نرقص، فكيف الحل مع عزف “دفه”! الجواب المبيّت بالقادم من الايام قد تكون نتائجه أقل سلبية في حال نجح لبنان بالتعامل بذكاء مع القانون، و”قدّرت” التطورات زوال النظام السوري وتأمين الراحة للبنان.