IMLebanon

«حزب الله» قلق من تطبيق «سيزر» وتنامي الدعوات لنزع سلاحه بالداخل والخارج

سيناريوهات إشعال الفتنة المذهبية تقلق اللبنانيين ولا تلقى اهتماماً لدى الأميركيين

 

استفزت التظاهرات الشعبية المتجددة «حزب الله» هذه المرة أكثر بكثير من التظاهرات الواسعة التي انطلقت في تشرين الأوّل الماضي، بعدما ضمَّنت بعض التشكيلات المشاركة فيها مطلب تنفيذ القرار 1559 ونزع سلاح «الحزب» إلى جانب مطلب اسقاط الحكومة وتغيير الطبقة الحاكمة، ولا سيما أن الدعوة للتظاهر في هذه المرحلة، أياً كان عنوانها وشعاراتها تحمل معاني مختلفة عن المرات السابقة، لتشابك الصراعات المحتدمة في المنطقة وحساسية الظروف الضاغطة التي تتسبب بها العقوبات الأميركية ضد «الحزب» وحلفائه، فكيف إذا كان الشعار الذي يتصدرها المطالبة بنزع سلاح الحزب علناً ودون مواربة أو تلطي كما حصل في تشرين الماضي؟

 

ولذلك، لجأ الحزب علانية إلى اشهار (سلاح) تأجيج الفتنة المذهبية علانية باستحضار مفردات الاثارة والتحريض والتلويح بإحياء عوامل الحرب الأهلية في الشياح وعين الرمانة دون مواربة، استتبعها بسيناريو التعدّي على وسط مدينة بيروت وإحراق وتدمير العديد من المؤسسات والمباني والمكاتب فيها تحت سمع وبصر السلطة وقواها الشرعية، ما اثار موجة سخط عارمة لدى النّاس عموماً واستياء بالغاً من هذه الارتكابات التدميرية التي تحمل في طياتها أكثر من رسالة للداخل والخارج معاً وكأن العاصمة بيروت باتت تشكّل صندوقة بريد، يريد من خلالها «الحزب» توجيه رسائله المعهودة كما فعل أكثر من مرّة في السابق، بالرغم من مؤثراتها وتداعياتها السلبية على الواقع الداخلي الذي يرزح حالياً تحت وطأة الأزمة المالية والاقتصادية الضاغطة معيشياً واجتماعياً على معظم اللبنانيين.

 

لا تخفي الرسائل الواضحة التي أراد «حزب الله» توجيهها للداخل والخارج معاً، واولها للولايات المتحدة الأميركية والغرب عموماً مباشرة عشية وضع الخطوات التنفيذية لتطبيق بنود قانون «سيزر» ضد نظام الأسد الديكتاتوري وملحقاته بالداخل اللبناني والجوار، وبالتزامن مع تصاعد وتيرة الصراع الأميركي – الإيراني بالمنطقة والاتصالات الجارية بين واشنطن وموسكو لتقليص النفوذ الإيراني فيها، ومفادها ان لبنان هو تحت سيطرة «حزب الله» ورهينة لديه في الوقت الحاضر دون أي منازع. فأي تحركات أكانت عسكرية أم اقتصادية لتنفيذ مفعول القانون المذكور واستهداف سلاح «الحزب»، ستواجه بردات فعل فورية من قبل «الحزب»، وسيكون من ضمنها احد النماذج السوداوية التي تمّ التلويح بها الأسبوع الماضي في العاصمة وغيرها.

 

التظاهرات الشعبية المتجددة استفزت «حزب الله» هذه المرة أكثر بكثير من التظاهرات الواسعة التي انطلقت في تشرين الأوّل

 

اما الرسالة الثانية للداخل وحصراً فموجهة للحكومة اللبنانية والسلطات المعنية، ولا سيما أن التعديات والحرائق التي حصلت في قلب العاصمة كانت على بعد مئات الأمتار من مقر الحكومة والمجلس النيابي، ومفادها ضرورة تجاهل الالتزام وعدم تطبيق موجبات قانون «سيزر» مهما تصاعدت الضغوط الأميركية بهذا الخصوص، حتى وإن تعرّضت مصالح لبنان واللبنانيين للخطر، باعتبار ان مصلحة الحزب والنظام السوري هي مصلحة مشتركة، ولا بدّ من إيجاد صيغة ما تحدّ من تأثير العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري وتجعل من مفاعيل هذا القانون غير مؤثرة وفعالة، وإلا في حال اعتمدت الحكومة سياسة مؤاتية ومساعدة لتنفيذ القانون المذكور بمفاعيله الضاغطة على سوريا، لن تفاجأ بردات فعل سلبية كما حصل في قلب العاصمة وغيرها.

 

ولكن بالرغم من حدة وسوداوية السيناريوهات التي هدّد «الحزب» باللجوء إليها لمواجهة خصومه بالخارج إزاء أمعانهم بتطبيق «قانون سيزر» وتصاعد وتيرة المطالبة بتنفيذ القرار 1559وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية، فإن محاولة تكرار المجازفة بتدمير لبنان مقابل ذلك كما هدّد بشار الأسد ذات مرّة بتكسير لبنان على رؤوس المعترضين على قراره بالتمديد للرئيس السابق اميل لحود، قد لا يكون متاحاً هذه المرة أو غير ممكن، أولاً لأن الولايات المتحدة بالذات لم تعد تكترث لمثل هذه التهديدات، لا من قريب أو بعيد، بعد ان اعتمدت سياسة نفض اليد وعدم المبالاة إزاء ما يحدث في لبنان من تطورات سياسية ومالية واقتصادية من جهة بفعل الانقلاب على سياسة النأي بالنفس التي اعتمدها الطاقم السلطوي اللبناني والجنوح نحو الحلف الإيراني – السوري في مواجهة العرب والغرب من جهة اخرى، واستمرار واشنطن في سياسة المواجهة والتصدي للنظام الإيراني بكل الوسائل المتاحة وكانت ذروة هذه المواجهة عملية اغتيال أكبر شخصية عسكرية في إيران الجنرال قاسم سليماني في بغداد مطلع السنة الحالية علناً ومن دون أي ردّات فعل إيرانية على مستوى هذا الحدث الاستثنائي، في حين ان ردود الفعل الداخلية الرافضة والمستنكرة لممارسات «حزب الله» التهديدية هذه المرة على هذا النحو، تجعل أي ردة فعل مرتقبة على قرارات وسياسة الولايات المتحدة في لبنان محفوفة بالمحاذير والرفض، والأهم من كل ذلك فإنها تعكس قلقاً واضحاً لدى «الحزب» جرّاء التطورات الإقليمية والدولية التي لا تصب في صالحه بالنهاية.