Site icon IMLebanon

مصيرٌ واحد في بلدين… من قرّر تجويع اللبنانيين والسوريين؟

 

أقنعونا دائماً أننا مثل “مصارين البطن”، حين يضطرب واحد يُصاب الآخر، وحين تتعطل الحياة في واحدٍ يعاني الآخر! أقنعوا (من اقتنع) أننا شعب واحد في بلدين، وها نحن وهم، اللبنانيون والسوريون، نعاني من مشهد واحد، نسخة طبق الأصل، نهايته تبدو الى كثيرين وخيمة!

 

ما كان ينقصنا هنا، في لبنان، إلا تطبيق قانون قيصر في سوريا حتى يتسابق من نهبوا لبنان، من اللبنانيين، الى إلقاء تبعاتهم على ذاك المدعو قيصر، والقول إن كل الأزمات التي تحوط بنا، من الإفتقار الى البنزين والخبز والدواء والمال والأمن، مردها قانون إستهدف النظام السوري ولم يهدف إلى الإقتصاص لا من السوريين ولا من اللبنانيين. فهل نرزح بالفعل تحت براثن “قيصر”؟ وماذا عن أحوال السوريين علّنا نفهم ما ستؤول إليه بعد أحوالنا؟

 

ميشال كيلو

 

ميشال كيلو، المناضل إبن اللاذقية، الناشط في لجان إحياء المجتمع المدني الذي شغل منصب رئيس مركز حريات للدفاع عن حرية التعبير في سوريا، يبدأ من الآخر: “حمى الله لبنان من الدجل والدجالين”. يردد كيلو هذه العبارة بحزن ينمّ عن العالِم بما ستؤول إليه الأحوال. فهل مشهدية سوريا تنطبق كاملة على المشهدية المقبلة في لبنان؟ يعود ويردد: “الله يحميكم الله يحميكم”.

 

الله يحمي لبنان لكن، ماذا عن سوريا اليوم؟ ماذا فعلت مئة يوم من قانون قيصر في سوريا؟ يجيب كيلو “تطبيق القانون سياسي وليس اقتصادياً، وقيصر وحده يحتاج لتظهر مفاعيله الى وقت طويل، ليُجبر النظام بالحلّ السياسي، لذا بين أيدي الأميركيين قرار مجلس الأمن الرقم 2254 في شأن سوريا، الذي سبق وصدر عام 2015 وهو من 16 مادة تنص فقرته الرابعة على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتحدد جدولاً زمنياً لصياغة دستور جديد في غضون 18 شهراً تحت اشراف الأمم المتحدة، على ان ينتهي هذا الحل السياسي بانتقال ديموقراطي للسلطة. لم يُطبق القرار وروسيا احتالت عليه وعلى المعارضة وسحبت كل الأوراق التي يفترض ان تكون محمية بين يديها. وها قد صدر قانون قيصر حيث ان الأميركيين يريدون فرض عقوبات على النظام كي يقبل بالقرار”.

 

الركوع أو الجوع

 

يغوص كيلو في الكلام عن بيان جنيف وعدم جدية الروس و”القوطبة” على المعارضة و”راوح مكانك” وهجرة السوريين وتعاستهم و… يعود ليُشدد: “بين ايدي الأميركيين أشياء مساعدة إذا استخدموها ستُجبر على حل سياسي في حين ان مسألة قيصر طويلة جداً”.

 

عذاب السوريين (كما اللبنانيين) ليس مرده قيصر ونقطة على سطر من يروجون العكس! فهو “لا يمنع استيراد المواد الغذائية الى الداخل السوري، وقصة تجويع السوريين لم تبدأ مع قيصر بل هي متمادية منذ سبعة أعوام، أصبح خلالها نصف الشعب السوري خارج بلاده. النظام السوري هو من قرر تنفيذ حكمه في الشعب السوري تحت عنوان “الركوع أو الجوع”. ولبنان يُشبه سوريا فمن سرق 240 مليون دولار من الشعب اللبناني ليس الأميركي بل هم سياسيو وزعماء لبنان. الأميركيون لم ينهبوا المصرف المركزي اللبناني ولا المصرف المركزي السوري”.

 

حصل ما حصل والشعبان “جوعانين” فماذا عن الخطوات المقبلة المرتقبة؟ وهل من حلول؟ يجيب كيلو “لا رغبة لدى بشار الأسد في تطبيق القرارات الدولية في سوريا والحد من الحرب والقتل والدمار، والمعارضة تربط نفسها بتركيا”.

 

هل ينتظرون في سوريا الإنتخابات الأميركية على جمر كما ينتظرها اللبنانيون؟ يقول كيلو “قانون قيصر أقره الكونغرس الأميركي وليس مرتبطاً بأي تغيير في إسم الرئيس”. لكن أليس للقرار أبعاد سياسية؟ يجيب “ربما يبهت تطبيق القانون إذا بدلوا سياساتهم تجاه إيران” ويستطرد “كان الله في عون الشعب السوري. فالنظام السوري بعدما لعب دوره في كسر إرادة الناس يُدمر اليوم مصادر عيشهم ليقبلوا بأي شيء، وليُصبحوا مجدداً خاضعين له. وها هي الحرائق، في الساحل السوري، على آلاف الكيلومترات، صورة عما يفعله النظام بالناس”.

 

في سوريا حرائق وفي لبنان أيضاً. هنا لا يصدقون أنها طبيعية وهناك أيضاً. ويقول كيلو “لم تبق “برتقالة” أو “توتة” أو زيتونة في الساحل السوري. فبعدما كانت تعيش الأسرة في سوريا بمبلغ خمسة آلاف ليرة سورية (كانت تعادل مئة دولار)، تحتاج اليوم الى 350 ألفاً، في حين أن راتب السوري يتراوح بين 40 ألفاً و50 ألفاً، أي ما يعادل واحد على ثمانية من حاجته الى المعيشة. جاع المواطن السوري. وأصبح ثمن البيضة الواحدة 166 ليرة سورية. أتصدقين؟”.

 

نصدق. فسعر البيضة الواحدة في لبنان بالسعر الرسمي 450 ليرة بينما على رفوف السوبرماركت تباع نصف كرتونة البيض، 15 بيضة، بسعر 13500 ليرة، أي أن سعر البيضة الواحدة في لبناننا 900 ليرة. نُخبر ميشال كيلو ذلك فيُردد مجدداً: “الله يحميكم”.

 

ما يحدث هنا، في لبنان، يُرد بحسب كيلو الى دور “حزب الله”. فهو من أقحم لبنان في أتون النار ووثّق الترابط أكثر بين المسارين ويقول “يوم دخل “حزب الله” الى سوريا أدخل الأزمة السورية الى لبنان. وانفجار بيروت خطوة نوعية تشي بدخول لبنان في الأتون”. إلام يُلمح ميشال كيلو؟ يجيب: “الآتي قد يكون أعظم” ويستطرد “الوضع في سوريا بدأ بتظاهرات وها قد أصبح 12 مليون سوري مهجرين في العالم. أدخلكم “حزب الله” بمشكلة كبيرة تحت راية حماية زينب. نحن من حمينا زينب أما هم فدجالون”.

لبنان في القعر وكلّ من يذكر إسم لبنان يتبعه بعبارة “حماكم الله”. هنا، في لبنان، أزمة البنزين تكبر وهناك لا بنزين. هنا في لبنان الدواء يكاد يُصبح أمنية وهناك لا يجدون إلا الدواء السوري بالتقنين. هنا، يعدوننا بالبطاقة التموينية وهناك يعتمدون على “بطاقة التكافل” التي تُحدد حصصهم من الرز والسكر والشاي والبرغل وبعض الأساسيات. هنا الحد الأدنى 700 ألف ليرة، أي أقل من مئة دولار، وهناك الحد الأدنى 40 ألف ليرة وتكلفة المعيشة 150 ألفاً. يبدو أن من قهروا الشعبين نجحوا هذه المرة في تحقيق مقولة شعب واحد في بلدين!

 

ثمة ترابط كبير أقحمونا فيه مع ما يحدث في سوريا. وغصباً عنا بتنا مشمولين بالعقوبات. لماذا؟ كيف؟ ما يهم من أوكلوا أنفسهم بمصائرنا أن نأكل الأرز ونصمت.

 

هناك، في سوريا، يعانون من الغلاء الفاحش الذي اشتدّ بعد إغلاق بعض خطوط التهريب، بحسب أحد المعارضين السوريين ويشرح “أقفلت معابر كثيرة أمام دخول البضائع الى سوريا، وانفجار مرفأ بيروت أثر بدوره على البلدين، حيث أن العلاقة بينهما كما خط الكهرباء الذي فيه سالب وإيجابي، فسوريا تحاول أن تأخذ من لبنان ولبنان بات في الفترة الأخيرة يحاول، قدر الإمكان، مراقبة خطوط التهريب الى سوريا. وكلما انتقلت البضاعة الى سوريا ارتاحت هي وعانى هو، والعكس طبعاً صحيح. أضف إلى ذلك أن سوريا حاولت في الفترة الأخيرة تصدير بعض البضاعة، عبر خطوط التهريب أيضاً، الى العراق من اجل الحصول على “الدولار الطازج” الذي خلا منه لبنان. البلدان يحاولان بما تبقى لديهما من رمق وكلاهما يعانيان حتى النخاع”.

هناك، في سوريا، تحصل حرائق مشتبه بها. منذ أيام احترق مبنى الريجي في القرداحة. وهنا تحصل حرائق أيضاً يُشتبه أنها مفتعلة. هناك اندلع 30 حريقاً في التوقيت نفسه وهذا لا يمكن أن يكون، في رأي الصغير قبل الكبير، مصادفة. الليرة السورية في الحضيض والليرة اللبنانية لحقتها والليرة التركية تعاني أيضاّ. أحد السوريين المعارضين علّق: “كل عملة اسمها ليرة انتهت”.

 

وماذا بعد؟

 

بعد أكثر من مئة يوم على تطبيق قيصر أو “سيزار” باتت كل ملامة السلطتين السورية واللبنانية على القانون أما واقعياً فمن بيدهم “الأمر والنهي” أوصلوا “العباد”، أوصلوا البلدين الى النفق المسدود وقرروا تركيع شعبيهما أو تجويعهما قبل أن تعود وتندمج المهمتان في مهمة معاً!