وزير بارز يكرّر خلال كلامه على قانون الإنتخاب، عبارة من كلمتين هما كناية عن إسمين شهيرين منذ فجر التاريخ، فيقول «قايين وهابيل».
قلّما وجد، في منطقتنا ومناطق كثيرة من العالم، من يجهل الرواية التوراتية عن أول مولودين من رجل وإمرأة في البشرية. ومن دون الدخول في التفاصيل كان هابيل باراً يحب أخاه ويعبد اللّه وكان قايين شريراً يبغض أخاه (…) ودفع الحقد والكراهية والحسد بقايين لأن قتل أخاه هابيل…
الوزير البارز أراد أن يشير إلى أنّ قانون الإنتخاب الجديد سيُنتج عشرات من قايين وهابيل ليس الذين يقتلون بعضهم البعض، إنما الذين سيجدون أنفسهم، حكماً، في مواجهة شرسة (وليس مجرّد منافسة إنتخابية طبيعية) وضمن اللائحة الواحدة، وبالذات ضمن الفريق الواحد، وتحديداً ضمن مرشحي الحزب أو التيار الواحد!
والسبب ليس قبول «القرابين» التي قدّمها هابيل ورفض تلك التي قدّمها قايين. السبب هو، ببساطة، الصوت التفضيلي.
فقانون الإنتخابات الجديد أوجد بعبعاً (كما كتبنا ذات «شروق وغروب» هنا قبل أسابيع). هذا البعبع هو الصوت التفضيلي الذي هو بمثابة السيف المصلت فوق رؤوس المرشّحين في ما بين أعضاء اللائحة الواحدة، فيثير قلقهم أكثر مما تثيره المنافسة مع اللائحة (أو اللوائح) المنافسة في الدائرة الإنتخابية الواحدة.
ولقد يكون اعتماد «الصوت التفضيلي» ما ينطبق عليه القول المأثور «من الحب ما قتل». فإذا «أحبّ» الناخبون رئيس لائحة ما وعبروا عن حبهم له بصبّ أصواتهم التفضيلية له فإنما يصيبون منه مقتلاً فيما هم يسعون الى خدمته. فماذا يفيد الرئيس سعد الحريري (على سبيل المثال لا الحصر) أن تصب أصوات الناخبين التفضيلية لمصلحته شخصياً على حساب سائر أعضاء اللائحة؟!. أليس أنّ مثل هذا «الحب» هو الطريق الأسهل والأقرب لتمكين اللوائح المنافسة من تسجيل الخروقات في لائحته؟!.
إلاّ أن عملية مواجهة «أزمة» الصوت التفضيلي، ضمن اللائحة الواحدة ليست بالأمر السهل إلاّ لدى «الماكينات» الإنتخابية المحترفة جداً، أو لدى القيادات والأحزاب كبيرة التنظيم و… السطوة على جمهورها وسائر مؤيديها.
في هذا السياق يُقال إن حزب اللّه سيلعبها جيداً مع المحازبين والمؤيدين، فيقسم الدوائر التي له فيها غير مرشح الى مناطق محدّدة: هذه المنطقة المكونة من بلدة كبيرة يصب صوت المؤيدين فيها التفضيلي لمرشح بعينه. وفي المنطقة الثانية المكونة من مجموعة قرى يصب صوتها التفضيلي لمرشح ثان الخ…
فهل لدى «الماكينات» الأخرى قدرات مماثلة، أو أن الصوت التفضيلي هو فعلاً البعبع، خصوصاً وأنّ قايين مستنسخ كثيراً ليس في دائرة واحدة بل، تقريباً، في الدوائر الخمس عشرة.