IMLebanon

القاهرة وإنقاذ بيروت… “نصائح كثيرة واليد قصيرة”

 

لم تكسر الرسائل المتبادلة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون العزلة العربية والغربية المفروضة على الحكم اللبناني، نتيجة إتهامه بالإلتصاق بـ”حزب الله”، وسط النصيحة المصرية بالإبتعاد عن سياسة المحاور والإلتزام بـ”النأي بالنفس”. ليست مصر السيسي هي نفسها مصر عبد الناصر، وذلك نتيجة عوامل عدّة ساهمت في تراجع الدور المصري بعد تقدّم نفوذ المملكة العربية السعودية في العالم العربي، واتجاه السنّة إلى الحاضنة الخليجية.

 

لكن، وعلى رغم هذا التراجع المصري، تبقى لبلاد النيل قوّة معنوية كبيرة ومؤثّرة نتيجة الأدوار التاريخية التي اضطلعت بها وعلاقاتها المميزة مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، إضافةً إلى أنها أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان كما أن مقرّ جامعة الدول العربية موجود على أراضيها. في المقابل، هناك عوامل عدّة تجعل مصر غير قادرة على لعب دور إنقاذي على الساحة اللبنانية، وهذه العوامل يُلخّصها المطّلعون على الموقف المصري كالآتي:

 

أولاً: تعاني مصر من أزمة إقتصادية ومالية كبيرة حاول الرئيس السيسي إخراج البلاد منها، لكنّ خططه لم تصل إلى خواتيمها السعيدة بعد على رغم كل التقدّم الحاصل، وبالتالي فإن القاهرة هي بحاجة إلى مساعدات مالية وغير قادرة على مساعدة البلدان العربية المتعثّرة مثل لبنان.

 

ثانياً: ما زاد في الطين بلّة إقتصادياً هو توسّع موجة “كورونا” التي تضرب البلاد، وقد جنّدت مصر كل طاقاتها لمواجهتها وسط المخاوف من فقدان السيطرة عليها، وبالتالي فإن هذا الفيروس قد أخّر خطة الإنقاذ الإقتصادي.

 

ثالثاً: لا تزال مصر تعاني مشكلات سياسية وأمنية داخلية، إذ إن فصول المواجهة بين السيسي و”الإخوان المسلمين” لم تنته بعد، وهذه المشكلات الداخلية تجعل النظام المصري يصبّ مجمل إهتمامه عليها متغاضياً بعض الشيء عن الأزمات العربية.

 

رابعاً: كما كل الدول الخارجية، لن يُقدم أحد على مساعدة لبنان إذا لم تباشر السلطة بمكافحة الفساد. فمصر نفّذت خطة إصلاحية للكهرباء، بينما لبنان لا يزال يغرق في العتمة، وهذا الملف يخضع للصفقات والسمسرات، ما يُغضب الدول الصديقة للبنان.

 

خامساً: لا تستطيع مصر كسر الإجماع الخليجي والعربي المتعلّق بتطويق النفوذ الإيراني في المنطقة، ومن هنا لن تقوم بخطوة منفردة باتجاه لبنان، في حين أن الدول الخليجية تعتبر بيروت واقعة تحت سيطرة النفوذ الإيراني.

 

سادساً: لن تُقدم مصر أيضاً على خطوة من طرف واحد تتحدّى بها واشنطن التي تريد “قصقصة” أجنحة إيران في المنطقة وعلى رأسها “حزب الله”، فالقرار الكبير موجود في أميركا، وحتى لو أرادت القاهرة مساعدة بيروت إلا أنها لا تملك الإمكانيات لذلك من دون غطاء أميركي وتمويل خليجي.

 

وفي هذه الأثناء، إن كل الكلام عن مبادرات مصرية وعربية للجم التدهور الحاصل في لبنان لا أساس له من الصحة، فالقاهرة كما عدد من العواصم العربية الأخرى تنتظر نتائج الإنتخابات الأميركية، وما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيجدّد ولايته أو أن الشعب الأميركي سيختار الديموقراطي جو بايدن لخلافته.

 

وأمام كل هذه المعطيات، فإن الجميع في حالة ترقّب لما سيحصل، وبانتظار القرار الأميركي فإن القاهرة وعواصم عربية أخرى ستشدّد على أهمية قيام الحكومة اللبنانية بالإصلاحات الضرورية واللازمة ووقف نهب المال العام وفرملة الإنهيار الحاصل، وهذا الأمر تشترطه الدول الصديقة للبنان، وهو أساسي لحل الأزمة اللبنانية ذات الوجه السياسي والإقتصادي على حدّ سواء، في حين أن المساعدات التي يتمّ الحديث عنها هي على شكل “إعاشة” ولكي لا يجوع الشعب وليست مساعدات مالية تنقذ إقتصاد الدولة.

 

ولا يعني عدم وجود مبادرة مصرية لحل الأزمة أن القاهرة غائبة عن الساحة اللبنانية خصوصاً ان سفيرها في بيروت ياسر علوي على اطّلاع وثيق على كل ما يحصل، ولكن بعد تنامي الدور السعودي في لبنان وعلى الساحة السنية بشكل خاص، بات التأثير العربي الأساسي للرياض، وبات دور القاهرة شبيهاً بدور باريس، بينما الكلمة الأقوى عالمياً هي لواشنطن، وبالتالي فإن كل ما يُحكى الآن عن خطط ومبادرات هو لعب في الوقت الضائع بانتظار الإنتخابات الأميركية، ونهاية الكباش الأميركي – الإيراني.