«اتفاقية القاهرة» التي وقّعها قائد الجيش اللبناني العماد اميل البستاني عام 1969 كانت لها ظروفها الخاصة وهي:
أولاً: الوجود الفلسطيني في لبنان: قد يكون هذا الوجود من أكثر الدول بعدده. فقد نزح الاخوة الفلسطينيون من أراضيهم الى لبنان عند احتلال اليهود والصهاينة فلسطين بالقوة، وبعد مجازر أذكر منها مجزرة دير ياسين في نيسان عام 1948 التي ذهب ضحيتها حوالى 300 فلسطيني، وتلك المجزرة كانت من أبشع المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في التاريخ.
ثانياً: لغاية اليوم لا أزال أسأل نفسي سؤالاً بسيطاً جداً: هل يستطيع لبنان أن يحمي الفلسطينيين الموجودين على أرضه؟ والسؤال الآخر: هل يستطيع الفلسطينيون أن يدافعوا عن أنفسهم؟ الجواب معروف وهو: كلا بالتأكيد.
ثالثاً: إذا كانت سوريا تمنع العمل الفدائي من أراضيها، والأردن يمنع القيام بأي عملية ضد إسرائيل، ومصر أكبر دولة عربية في العالم العربي أيضاً تمنع الفدائيين من القيام بأي عملية من أراضيها، فكيف يسمح لبنان بذلك؟
رابعاً: التاريخ لا يكذب.. وهنا لا بد من القول إنّ لبنان عانى الأمرين بسبب الوجود الفلسطيني.. ويكفي أنّ إسرائيل قامت بحربين ضد لبنان: الأولى عام 1978، يوم احتلت القوات الاسرائيلية جنوب لبنان وأقامت دولة سعد حداد، حيث أصبح الفدائيون الفلسطينيون في بيروت بدل «فتح لاند» في العرقوب والمناطق التي كانت تحتلها قبل الغزو الأوّل، وأصبحت المخيمات الفلسطينية بؤراً لأعمال الفوضى وغيرها.
والحقيقة تُقال إنّ الفلسطينيين حكموا قسماً من لبنان وخصوصاً بيروت الغربية منذ عام 1969 الى عام 1982…
والحرب الثانية: كانت عام 1982 يوم قرّرت إسرائيل طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان… وبالفعل في 6 حزيران من عام 1982 بدأت إسرائيل بعملية عسكرية كبيرة، اجتاحت خلالها لبنان، ووصلت الى مشارف العاصمة بيروت… وللتاريخ فإنّ بيروت العاصمة بقيت محاصرة من القوات الاسرائيلية لمدة 100 يوم، كانت القذائف تنهال عليها من الطائرات الاسرائيلية من الجو، وكانت البوارج تقصفها من البحر، والدبابات الاسرائيلية التي كانت تحاصر قصر بعبدا ترمي حمم قذائفها على العاصمة… ويُقال إنّ عدد القذائف التي أمطر بها العدو الاسرائيلي بيروت كانت أكثر عدداً من القذائف التي أسقطها التحالف الدولي على مدينة برلين في الحرب العالمية الثانية التي دارت بين ألمانيا بقيادة الزعيم أدولف هتلر وبين التحالف الاميركي والبريطاني والفرنسي والروسي.
على كل حال، طردت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982، وذهب المقاتلون الذين تركوا بيروت الى اليونان أولاً ثم الى تونس.
اليوم… المشكلة ان إسرائيل بعد احتلالها لبنان عام 1982، وبعد قيام المقاومة الوطنية اللبنانية بطرد إسرائيل عام 2000 حيث أعلنت إسرائيل انه ستنسحب من لبنان بعد انتهاء عملها، وأنها تعترف بأنّ المقاومة الوطنية وصمود الشعب اللبناني أجبراها على الانسحاب لأوّل مرّة في تاريخها.
بعد كل هذا… ما حدث بالأمس في مخيّم عين الحلوة، وتعرّض الشعبين الفلسطيني وأهالي صيدا من اللبنانيين للخطر، ومقتل عدد لا بأس به من الضحايا… انطلاقاً من ذلك نطلب من السلطة اللبنانية أن تطلب من الجامعة العربية إلغاء «اتفاقية القاهرة» لأنه لم يعد هناك مبرّر لوجودها.
وبالفعل، إنّ السلاح المتفلّت لم يعد يُستعمل ضد إسرائيل بل هذا السلاح يستعمل ضد الفلسطينيين أولاً وضد اللبنانيين.. فما هو مبرّر بقائه؟
يجب أن تتجرّأ القيادة اللبنانية وتطلب إلغاء «اتفاقية القاهرة» وتسليم السلاح الى الجيش اللبناني.