IMLebanon

لبنان عائد إلى “إتفاق القاهرة”… بعد سقوط “الطائف”؟!

 

عاد جنوب لبنان ليُشكّل ساحة حرب من دون ضوابط. وسقط حلم اللبنانيين بقيام دولة فعلية بعد ثورة الأرز عام 2005 وإقرار القرار 1701 عام 2006. ويعيش الجنوب على فوّهة بركان لا يعرف أحد متى ينفجر. فقرار الحرب والسلم ليس في يد الدولة، والأحداث والتطوّرات العسكرية مفتوحة على كل الاحتمالات.

 

نادى القادة السياسيون السياديون بعد 2005 بحصر السلاح بيد الجيش والقوى الشرعية وإقرار استراتيجية دفاعية، وكان هناك اعتراض على خطف «حزب الله» قرار السلم والحرب. لكنّ اللبنانيين الذين يعانون من الانهيار، تفاجأوا بوجود أكثر من فصيل ينفّذ عمليات ولو صوَريّة في الجنوب برعاية «حزب الله».

 

لم تقتصر عمليات الجنوب على «حزب الله»، بل يصدر كل فترة بيان من جهات لبنانية وغير لبنانية تتبنّى إطلاق صواريخ من الجنوب، مثل «كتائب شهداء الأقصى» و»كتائب القسّام» و»قوات الفجر» التابعة لـ»الجماعة الإسلامية» ومسلّحي شاكر البرجاوي، وكل هذه العمليات تحصل والدولة آخر من يعلم.

 

عاش الجنوب اللبناني كابوس العمل الفدائي الفلسطيني الذي ضرب ازدهار لبنان وشلّع الدولة، وتُوّج بتوقيع اتفاق القاهرة، وإقراره في مجلس النواب عام 1969، ما شرّع العمل الفدائي. ومن أبرز بنوده تشكيل لجان للفلسطينيين وإنشاء نقاط للكفاح المسلّح داخل المخيّمات الفلسطينية ووجود ممثّلين في الأركان اللبنانية، وتسهيل المرور والطبابة والإخلاء والتموين للفدائيين.

 

وكدليل على ضرب السيادة نصّ الاتفاق الذي عارضه العميد ريمون إده، على تأمين الطريق إلى العرقوب والسماح للفلسطينيين المقيمين في لبنان بالمشاركة في الثورة الفلسطينية. وبعد دخول لبنان أتون حرب أهلية طويلة، زال كابوس «إتفاق القاهرة» بعدما وقّع على إلغائه الرئيس أمين الجميل مع «منظمة التحرير الفلسطينية» في حزيران 1987، لينتهي مفعوله نهائياً في تشرين الثاني عام 1989 عند إقرار «إتفاق الطائف».

 

عاش كل من يراهن على قيام الدولة نشوة الانتصار بعد «الطائف» لأنه تضمّن بنوداً سيادية بامتياز، فقد نصّت المادة 2 من الاتفاق على بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي اللبنانية وحلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتعزيز قوى الأمن الداخلي والقوى المسلّحة.

 

إستغلّت سوريا بسط سيطرتها على لبنان بمباركة أميركية وطبّقت «الطائف» كما يحلو لها وأبقت على سلاح «حزب الله» تحت عنوان المقاومة، وعلى الرغم من انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بقي هذا السلاح كقوّة إقليمية لمحور «الممانعة» ولم تعد الدولة إلى الجنوب إلا صورياً.

 

ولا يبدو الوضع على ما يرام، إذ ترى القوى السيادية عودة الزمن إلى الوراء، فقد تمّ نسف «الطائف» بعدم تسليم سلاح كل الميليشيات وتطبيقه كما يجب، والقصة لم تتوقّف هنا، بل عدنا إلى ما يشبه «إتفاق قاهرة» جديداً لكن هذه المرة من دون اتفاق رسميّ أو من دون إمضاء اللبنانيين.

 

وحسب المعطيات العسكرية، لا توجد مراكز عسكرية لـ»حماس» و»الجهاد الإسلامي» في جنوب لبنان، ومعروف أيضاً أنّ الفصيل الفلسطيني الأقوى على أرض لبنان هو حركة «فتح»، وهنا يسأل السياديون: من أين يخرج هؤلاء المقاتلون؟ ولماذا لا توقفهم الدولة والأجهزة خصوصاً أنّ الدولة تسيطر على مداخل المخيمات ومخارجها؟ فالقضية ليست في تهريب مفروشات أو محروقات أو طحين، فهناك من يحمل صاروخاً ويُطلقه من دون علم الشرعية ما قد يرتدّ استهدافاً للبنان من قبل العدو؟

 

تتعالى التحذيرات من انفلات الوضع جنوباً، وإذا كانت مشاركة هذه المجموعات تتمّ بإشراف «حزب الله»، وكل ما يفعله «الحزب» هو تأمين مظلة سنية وفلسطينية لأعماله العسكرية، إلا أن الصورة التي تظهر بها الدولة اللبنانية هي صورة العجز، وإذا كان هناك من يفكّر بالعودة إلى «إتفاق القاهرة»، فالشريحة الكبرى من اللبنانيين لا يروق لها انهيار الدولة، وقد تفكّر بخطوات تُحرّرها من هذا الوضع الشاذ.