IMLebanon

القاهرة والرياض محطتان على محور الإستقرار الإقليمي

 

إندفاعة الرئيس ترامب، وإن طاب للبعض وصفها بعدم التزام القواعد البيروقراطية التي تفرضها «الإستبليشمنت الأميركية» وعدم اتّزانها وتشعب استهدافاتها، فإنّها تعبّرعن جموح واضح لدى الرئيس في شطب مرحلة من السياسة الخارجية الأميركية عنوانها سياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط. تتعامل إيران مع انهيار عقيدة أوباما التي بنت عليها شريطاً من الإنتصارات ببراغماتية موصوفة تهدف إلى استيعاب المرحلة وشراء الوقت علّ المستقبل يأتي بظروف أفضل. ففي الوقت الذي يواجه الإتّفاق النووي إمتحاناً عسيراً بعد اتهام الرئيس الأميركي طهران بالإمتناع عن إحترام روحيته، وتصدير العنف والدم والفوضى في الشرق الأوسط، مطالباً القادة العسكريين بتزويده بمجموعة واسعة من الخيارات العسكرية حين يستدعي الأمر، يعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمام الدول الست خلال إجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتّحدة أنّ مناقشة البرنامج الصاروخي لتبديد المخاوف الغربية ممكنة علماً أنّ طهران رفضت مراراً المسّ بهذا البرنامج.

تتزامن الإندفاعة الأميركية مع جملة من المؤشرات الجديرة بالقراءة لتشكّل تغييراً في المرتكزات المألوفة للإستقرار في الشرق الأوسط . تُمسك كلّ من واشنطن وموسكو الآن بسوريا وإيران قطبيّ المحورالذي تحكّم لسنوات خلت بمسار القضية الفلسطينية فأخرجها من حاضنتها العربية ، وقضى على وحدتها وحوّل مناضليها الى معسكرين متقاتلين، وأغرق التسوية السياسية في العراق في فسادٍ وتناحرٍ مذهبي، وعبث بالإستقرار في لبنان اغتيالاً وتعطيلاً ولا يزال. وتلاعب بالتناقضات البنيويّة في أكثر من بلد عربي معرضّاً الأمن الإقليمي لتّحديات جديّة.

الإنعطافة الأميركية في مقاربة التمدد الإيراني تبدو مندمجة مع سياق الترتيبات التي تكرّسها روسيا على الساحتين السورية والعربية، وتعاضدها الجهود التي تضطلع بها كلّ من المملكة العربية السعودية ومصر على المستويين الإقليمي والدولي. خارطة توزيع النفوذ على الساحة السورية عبر ترتيبات آستانه ومناطق خفض التوتر نجحت الى حدّ بعيد انطلاقاً من الحدود الأردنية السورية بضمان أميركي. منطقة خفض التوتر في محافظة إدلب عبّرت عن اعتراف دولي بالمعارضة السورية تضمنه روسيا وتركيا مع قبول أيراني، مع عدم إغفال الإصرار الأميركي على إقفال الحدود بين سوريا والعراق أمام أي عبور للأسلحة الإيرانية والذي سيضمنه الشريك الكردي للولايات المتّحدة شرق الفرات في منطقة الجزيرة والوحدات العسكرية التركية التي ستمسك الحدود التركية السورية.

المساهمة الإقليمية في مرتكزات الإستقرار عبّرت عنها نتائج الزيارة التاريخية التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز الى موسكو والتي أرست أُطراً للتعاون في مجالات التعاون العسكري واستقرار السوق العالمية للنفط. روسيا الحريصة على الإمساك بتوازن قابل للحياة في المنطقة تعوّل على الدور الريادي للمملكة العربية السعودية في توحيد أطياف المعارضة السورية. المساهمة السعودية في إنجاح التسوية السياسية، يرتبط بتحريك ورشة الإعمار في سوريا، وهذا سيبقى رهن الإتفاق على مستقبل رأس النظام في دمشق ومستقبل الوجود الإيراني. صحيح أنّ خصوم النظام آثروا الإنضمام إلى الحملة الدولية لمواجهة التنظيمات الإرهابية لكن أحداً منهم لن يكون شريكاً في تقديم أوراق إضافية مجانية للنظام تسمح بإعطائه المزيد من الحياة.

عامل إقليمي آخر سيلعب دوراً اساسياً في مرتكزات الإستقرار الإقليمي هو الرعاية المصرية للمصالحة بين وفديّ حركة فتح وحماس. الحرص على حسن التنفيذ ليس فقط خطوة على طريق استعادة مصر لدورها الإقليمي بل مؤشراً هاماً على استعادة الملف الفلسطيني من قبضة إيران واستعادة المسؤولية عن عملية السلام . الموقف الهام للرئيس عبد الفتاح السيسي :«إنّ التحركات المصرية الرامية لمساعدة الأشقاء الفلسطينيين …..تمهّد للإنطلاق نحو سلام عادل بين فلسطين وإسرائيل»، يعبّر بشكل واضح عن هذا التوجّه، وهو يلاقي تصريح وزير الخارجية السعودي أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة بأنّ مبررات الصراع العربي الإسرائيلي تسقط عند الإلتزام بالقرار الدولي بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

مرتكزات الإستقرار الإقليمي الجديد أملت إلزاماتها شيئاً فشيئاً على محور دمشق وطهران. خروج الملف الفلسطيني من القبضة الإيرانية وتلاشي النظام في سوريا وحلول شبكة معقدة من المصالح في الأمن والإقتصاد والسياسة عرضّت العاصمتين لانكسارات عديدة، وكرسّت الرياض والقاهرة محطتين إلزاميتين على مسار الإستقرار الإقليمي.