Site icon IMLebanon

القاهرة ليست جاهزة لاستعادة دورها المحوري في المنطقة وتحمّل أثمانه

زيارة شكري: سبر أغوار ومحاولة تأكيد حضور مصر… ومكاشفة لتداعيات «غيابها الإقليمي»

القاهرة ليست جاهزة لاستعادة دورها المحوري في المنطقة وتحمّل أثمانه

سعي مصري لإيضاح الموقف من الأسد: ما يعنينا هو سوريا وليس النظام

الأكيد أن وزير الخارجية المصري سامح شكري لم يحمل معه مبادرة أو أفكاراً من شأنها أن تُسهم في حل الأزمة اللبنانية وفي مقدمها الفراغ الرئاسي وكيفية انتظام الحياة السياسية، وإلا لكانت لقاءاته شملت مختلف القوى السياسية الفاعلة على المسرح اللبناني من دون استثناء فريقين أساسيين، بمعزل عن الأسباب، هما «حزب الله» القابض بوهج سلاحه على صيرورة الحياة السياسية، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي له ثقله في المعادلة الداخلية بما يُشكّل من «بيضة قبّان» في الاستحقاقات المصيرية.

ويصح القول أنه حمل معه تأكيداً لرغبة مصر في أن يبقى لبنان مستقراً، معطوفاً على تمنيات في أن تعمد القوى السياسية إلى تقديم تنازلات متبادَلة من أجل العبور إلى شاطئ الأمان.

كان رئيس الدبلوماسية المصرية مستمعاً إلى الأطراف التي التقاها، يسبر أغوار المواقف المتباعدة حيال تعقيدات المشهد الداخلي، في خطوة استكشافية تهدف إلى التأكيد أن مصر، رغم انشغالاتها الداخلية، لا تزال تولي أهمية للشأن اللبناني، وأنها حاضرة على ساحته.

لم يتناول المسؤول المصري مع مَن التقاهم طبيعة «الرئيس العتيد» الذي من شأنه أن يُشكّل صمّام أمان للبنان في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة، ولا كَشفَ رؤية القاهرة لمقوّمات ومواصفات هذا الرئيس، وإن كانت قنوات، تدّعي الاطلاع على بواطن الموقف المصري وجوهره، توحي بميل فعليّ نحو وجود شخصية عسكرية في سدّة الرئاسة، وهذه الشخصية ليست المرشح العماد ميشال عون ولا المرشح المحتمل قائد الجيش العماد جان قهوجي، بل شخصية ثالثة تنطبق عليها هذه المواصفات، وجرى تداول اسمها في فترة من الفترات.

على أن زيارة شكري شكّلت مناسبة لمكاشفة حول تداعيات غياب مصر عن لعب دورها المحوري والمركزي في العالم العربي، وما أحدثه هذا الغياب من انتعاش طموحات التمدّد الإيراني والتركي والروسي وحتى الإسرائيلي في المنطقة لملء الفراغ الذي أحدثه انكفاء القاهرة، بما شكلته، على مر العقود، من رافعة للمشروع القومي العربي الجامع وتصديها للقضايا الكبرى على حساب المشاريع الدينية والمذهبية في المنطقة، التي وجدت ضالتها في «الربيع العربي» ونزعة التغيير لدى الشباب، لترسيخ أفكارها من بوابة «الإسلام السياسي» الذي آل، في ظل الصراع القائم، إلى تأجيج الاحتقان المذهبي والتطرّف الذي أضحى محفزاً للإرهاب المتفشي في ساحات الصراع الملتهبة ومهدداً استقرار دول برمتها.

ورغم أن النقاش ذهب إلى حدّ تأكيد أهمية مكافحة الإرهاب بالوسائل الأمنية والعسكرية، لكنها في النهاية تبقى جزءاً من مواجهة النتائج وليس المسببات التي تحتاج إلى حزمة متكاملة بدءاً من إصلاح ديني حقيقي يقوده الأزهر الشريف في مناهج التعليم الدينية وتنشئة رجال الدين والأجيال الصاعدة، مروراً بترسيخ قيم مشتركة بين كل الأديان والمذاهب، تُعزّز التلاقي في مؤتمرات حوار، وصولاً إلى إعادة إحياء المشروع القومي العربي وتصويب البوصلة العربية في اتجاه القضية الأم والتي هي القضية الفلسطينية، وأهمية الذهاب نحو ترسيخ مفهوم التنمية المجتمعية والاقتصادية ورفع شأن الشعوب العربية.

لم يُخفِ الدبلوماسي المصري أن مصر تواجه تحدّيات داخلية منذ ثورة 25 يناير التي أتت بالإخوان إلى الحكم، وثورة 30 يونيو التي أطاحت بدورها بحكم الإخوان، غير أن الحاضرين في «لقاء المكاشفة» شعروا بمدى الهاجس الذي يعتري القيادة المصرية من ترددات حقبة الإخوان ومواجهة تداعياتها ومواجهة الإرهاب الذي يتخذ من سيناء مقراً، فضلاً عن الانشغال بالتحدّيات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وما يمكن أن تتركه من تأثيرات سلبية على الشارع المصري الذي محض ثقته وعلق آماله على الرئيس الحالي عبد الفتاح السياسي في مواجهة حكم الإخوان والتحولات التي سعى إلى إدخالها على تركيبة المجتمع المصري.

«المكاشفة المستقبلية» وما أعقبها من إيضاحات الدبلوماسية المصرية، لم تُخفِ، رغم التفهّم للتحدّيات التي تواجهها القاهرة، حقيقة أن مصر ليست حاضرة لاستعادة دورها الإقليمي. ولعل ما لفت بعض الحاضرين هو التفاوت في تقدير مخاطر التمدّد الإيراني والدور السلبي الذي يلعبه أينما حلّ في الدول العربية، والأهم ما لمسوه من عدم جهوزية مصر للانخراط فعلياً في مواجهة هذا الدور وتحمّل أثمانه على أقله في المدى المنظور.

وفي النقاش، كانت سوريا حاضرة، وسعى أحد أعضاء الوفد إلى إيضاح موقف القاهرة من النظام السوري لجهة التأكيد أن مصر لا تدافع عن نظام بشار الأسد، بل إن ما يعنيها هو سوريا، بغض النظر عن نظامها، وهي على يقين بأن النظام عمد إلى عسكرة المعارضة السورية التي انطلقت سلمية، لأنه كان يُدرك أنه بعسكرتها يمكنه أن يتوفّق عليها بالنار ويقطع الطريق أمام تحقيق أهدافها الرامية إلى الإطاحة بالنظام سلمياً، وأن عسكرتها بالتالي ستؤدي إلى بروز التنظيمات المتطرفة، وهو ما حصل بحيث استطاع  تسويق خطر تفشي الإرهاب واستدراج التدخل الدولي.

تلاقت القراءة لواقع المنطقة، وإن اختلفت سبل مواجهة التحديات التي تعيشها ساحات الصراع المفتوحة، لكن المخاوف كانت واحدة من أن الواقع المتفجر في المشرق العربي، إذا ما انهار، فلن يبقى المغرب العربي بمعزل عن تداعياته. مخاوف تجعل من الضرورة بمكان استشراف سياسة جامعة في مشروع عربي موحّد لا تبدو معالمه واضحة!