لا أظن أن الأمم المتحدة بحاجة لتشويه جديد لسمعتها، حتى ينسب لها زوراً تقرير مثل الذي قامت به المقررة الأممية أغنيس كالامار عن قضية مقتل جمال خاشقجي. صحيح أن منصبها فخري، وصحيح أن تقريرها ليس إلزامياً كعشرات التقارير التي تقدم سنوياً لمجلس حقوق الإنسان، وصحيح أيضاً أنه لم يصدر أساساً بتكليف من المنظمة الأممية، إلا أن الفضيحة الكبرى قد حدثت وألصقت بالجهات التابعة للأمم المتحدة. نقول فضيحة ليس فقط لكون التقرير يحمل عشرات التناقضات والاستنتاجات غير المنطقية، وليس أيضاً لأنه لم يحمل أدلة قطعية موثوقة يمكن التعاطي معها، وإنما لأن المقررة عكست مواقفها وقناعاتها الشخصية المعلنة ضد المملكة على تقرير يفترض أن يكون محايدا لا تشوبه شائبة، وبالتالي سقطت مصداقية التقرير قبل تقديمه أو إعلانه أساساً، وإلا فكيف تزعم كالامار وجود أدلة دامغة شاركتها مع تركيا بينما لم تشاركها مع الحكومة السعودية، رغم تكرار مطالبات المملكة بتقديم أي دليل يمكنه المساهمة في التحقيق بالقضية، وهو ما يشكك في طريقة حصول المقررة عليها، خاصة في ظل تشابه كثير من مفردات التقرير وعباراته مع العبارات والمفردات نفسها التي استخدمتها السلطات التركية مسبقاً في هجماتها الإعلامية المنظمة ضد المملكة في القضية، ناهيك من اعتمادها على مصادر صحافية وأخرى مجهولة، فهل كل ما تمخضت عنه تحقيقات السيدة كالامار خلال خمسة أيام قضتها في تركيا، هو مجموعة من الاستنتاجات التي جمعت من السلطات التركية وخطيبة خاشقجي والمصادر الصحافية؟
وبعيداً عن كون التقرير لا يمثل الأمم المتحدة ولا يعتبر تقريراً رسمياً للمنظمة يمكن الاعتماد عليه، ولا تترتب عليه أي تبعات قانونية ملزمة باعتباره لم يتم بتكليف من قبل الأمم المتحدة، فإن كالامار أغفلت نقطة بالغة الأهمية عن عمد، وهي أن الجهات القضائية في المملكة هي الوحيدة المختصة بنظر القضية وتمارس اختصاصاتها باستقلالية تامة، وبالتأكيد ترفض بشدة مثل هذه المحاولات للانتقاص من سيادة المملكة والتدخل في شؤونها الداخلية، عبر إخراج القضية عن مسارها العدلي الحالي أو التأثير عليها كما تسعى السيدة كالامار، كما أنه لا توجد أساساً سلطة لها لمثل هذه التدخلات المتعسفة، مما جعل التقرير في النهاية تقريراً للاستهلاك الإعلامي وليس تقريراً قانونياً يمكن التعاطي معه، وهو الهدف الذي تسعى من خلاله كالامار طمعاً في إطالة أمد القضية «إعلامياً» ومنحها أبعاداً دعائية تستمر لإلحاق الضرر بسمعة المملكة، وهو يتلاقى مع الهدف التركي الاستراتيجي نفسه الذي سعت إليه السلطات التركية منذ اليوم الأول.
من تصف إرهابيي «القاعدة» والعوامية بـ«المصلحين السياسيين» لا يمكن اعتبارها ذات مصداقية لإصدار تقرير محايد، ومن تتهكم على مشاركة المرأة السعودية في الألعاب الأولمبية لأول مرة في لندن 2012 لا يمكن أن ينتظر منها أن تقدم تقريراً منصفاً، أما عندما تزعم في تقريرها أن «الحكومة السعودية لم تجرِ تحقيقها (بنية حسنة)»، فلا يمكن إلا القول إن المقررة الأممية ومن يقف وراءها من الدول والجهات التي تعرقل فعلياً التحقيقات في القضية، وتسعى للتأثير على مسارها باستعجال النتائج وإطلاق الأحكام قبل اكتمال الأدلة، ليست سوى مسمار آخر يدق في نعش التقارير التي يزعم أنها دولية، بينما هي ليست أكثر من أداة تستخدم بطريقة بشعة لتسييس قضايا يفترض أن تبقى في مسارها القانوني ولا يسمح لأي طرف بمحاولة التأثير عليها سلباً، بل ويفترض أن يكون فاعلها هو من يعرقل سير العدالة. ولاختصار معرفة مصداقية تقرير كالامار وحقيقة مواقفها ضد السعودية، ليس على المتابعين سوى جولة سريعة في حسابها على موقع «تويتر» واكتشاف الواقع بأنفسهم!