IMLebanon

نكبات ما بعد النكبة

لم تعد ذكرى النكبة الفلسطينية تحرك الشارع العربي، فهو بات شوارع، والنكبة صارت نكبات، وبدل اسرائيل واحدة في المنطقة، صرنا أمام اسرائيلات، بعضها بلا جغرافيا، وكلها بلا تاريخ، إلا ما تيسر من اصطناع وخرافة، من جنوب السودان الى العراق وسوريا، ولبنان. لم تعد الذكرى تسيّر الألوف في شوارع العواصم والمدن العربية، فلهذه اليوم نكباتها، بعدما صار من شعوبها آلاف اللاجئين في وطنهم، والى خارجه، المحرومين من بلداتهم وأراضيهم، ومنازلهم، وبعضها يتعرض لتدمير ممنهج، ومحاولة تغيير ديموغرافي تصغر عنده الهمجية الإسرائيلية.

لكن، منذ ما قبل النكبات المستحدثة، خرجت النكبة الفلسطينية من الاهتمام الشعبي العربي، باتفاقات “كمب ديفيد”، و”أوسلو” و “وادي عربة” الذي تبعه فض الارتباط بين الضفتين الغربية والشرقية، وجعل القضية الفلسطينية قضية الفلسطينين، وحول العروبة والقومية العربية، كما النكبة نفسها، الى ذكرى، بعدما كانت عروة وثقى لمنطقة بكاملها، وهوية لملايين تسكنها. فتغييبها يسهل شق العالم العربي، مرة عبر فصل اليهود العرب عن بيئتهم، وهو الاسبق، ثم محاولة فصل المسلمين الشيعة العرب عن بيئتهم، وهو ما لحق، ولم يكتمل نجاحه. كيف؟ باختلاق هوية متمايزة لهذه الفئة أو تلك تبرر مناكفة الغالبية العربية، والانفصال عنها، أولاً في النظرة الى المستقبل، إما بكيان مستقل مغتصب، وإما بهيمنة على القرار السياسي في الدول القائمة.

بين الاحتلال الصهيوني المباشر والهيمنة الايرانية المباشرة تشابه في بناء العمارة السياسية والاجتماعية. الفارق أن المشروع القديم أراد مساحة محددة من المنطقة العربية هي فلسطين، بينما الجديد أراد أن يكون بلا حدود، وفي ذلك ما يميز الهيمنة من الاحتلال المباشر، وإن يكن الهدف واحداً: وضع مصير المنطقة في يد المحتل أو المهيمن، أو في يديهما معاً، وفي آن واحد.

نموذج ساطع من هذا النهج نجده في الواقع اللبناني الذي يدلّنا باستمرار على أن “حزب الله”، باعترافات متعددة من قياداته، أداة ايرانية اقليمية، لم يتوان عن محاولة إنشاء هوية لجمهوره متمايزة عن الهوية الوطنية الجامعة، كما أنشأ وعاءً “ثقافيا” بجعل الحديث الديني المذهبي أساسا في الحوارات اليومية ووسائل إعلامه، إضافة إلى وعاء اقتصادي عبر التوظيفات المالية والمؤسسات المنتجة، وهو ما طبّقته القوى التي تماثله إيرانياً في سوريا والعراق واليمن.

عمد الدعاة الصهاينة إلى إيهام اليهود العرب بخطر عربي على بقائهم في دولهم، ونفذت الوكالة الصهيونية تصفيات جسدية لتأكيد الرواية، ولم يقصّر الحزب في هذا المجال. وقول أمينه العام إن “لا عودة لبوياجية المعرض” يصب في هذا الاتجاه.

الذكرى الـ68 لنكبة فلسطين يجب ألا تكتفي بتحريك الذاكرة فحسب، بل أن تدفع إلى فتح الأعين على وقائع الزمن الراهن، الذي يلوح بنكبات جديدة في قلب العالم العربي.