أعلى درجات الشجاعة هي الحكمة. ومعنى ذلك ان القيادة التي تتحمّل مسؤولية الدولة كوطن وشعب ومؤسسات، قادرة على التمييز عند اتخاذ القرار، ومتى تقدم ومتى تتراجع، ومتى يكون التراجع نوعا من التحفز للقفز الى الأمام، بل ويكون أيضا فعل شجاعة وترفّع وإثبات الأبوة بين جميع الأفرقاء دون محاباة لطرف على حساب طرف آخر، ولا تمييز بينهم جميعا. وفي النتيجة فان كل ما يجري من أحداث في مجرى سنوات العهد فانه سيدخل في جردة حساب هذا العهد ايجابا أو سلبا… فاذا نجح الجيش والقوى الأمنية بدحر الارهاب وحفظ الأمن والاستقرار فسيكتب في سجله التاريخي أن العهد هو الذي نجح. واذا اعتقد العهد أن هناك من يتواطأ لمنع التوصل الى قانون انتخاب جديد، ثم ولم يصدر قانون جديد، فسيوضع في جردة الحساب ان العهد هو الذي فشل، وليس هذا أو ذاك من المكونات السياسية!
إلقاء الاتهامات والتقاذف بها هو من معالم الحياة السياسية في أي بلد. والقول بأن الكيدية السياسية تسعى الى تجويف العهد العوني هو عملة تصرف في السجال السياسي، وليس في سجل الانجاز الذي يذكره التاريخ. ومهمة القيادة ان تمتلك الأساليب المتنوعة لتحقيق الأهداف الوطنية، وازالة العوائق من طريقها بالطرق المناسبة. وما يستعصي على الكسر بحد السيف، يمكن احتواؤه بالحكمة والصبر والنفَس الطويل، والتضحية بالقليل لكسب الكثير. أما أسلوب أنا أعمى ما بشوف… كما يقول المثل الدارج، فهو سلوك غير ذكي، وليس سياسة عليا! والعاقل هو من لا يخدع نفسه قبل غيره، والكل يعرف والتاريخ يشهد بأن السياسات في لبنان زئبقية وغير ثابتة، ولا يوجد استثناءات على هذا الصعيد… ومعنى السياسة الزئبقية ان من يواليك اليوم قد ينقلب عليك غدا، وان من يناكفك اليوم قد يكون سندك الحقيقي غدا!
لهذه الأسباب مجتمعة، وغيرها مما لا يزال طيّ الكتمان حتى الآن، لا بدّ من صدور قانون الانتخاب الجديد قبل انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي لأنه قدر لبنان، وليس مجرّد تفكير يقوم على التمنّي!