ليس بين المراقبين مَن يقطع الشك باليقين حول مسار القتال في حلب وحولها: هل هو، كما توحي أحاديث لأطراف في النظام والمعارضة، بداية تنفيذ خطة عسكرية جاهزة لهجوم كبير حاسم على الشهباء؟ هل هو تصعيد محسوب من أجل تقوية الأوراق عشية الاجتماع المقرر لمجموعة فيينا برئاسة روسيا وأميركا أم أنه مجرد استمرار للاستنزاف؟ لكن الكل يعرف أن معركة حلب هي نصف حرب سوريا التي هي أم المعارك بالنسبة الى ايران المنخرطة فيها مباشرة منذ البدء دفاعاً عن مشروعها الاقليمي وبالطبع عن النظام ودوره وموقعه في محور الممانعة. ومن الصعب، مهما كانت حشود النظام وايران والحلفاء كبيرة، حسم معركة حلب من دون قرار روسي كبير يتجاوز حتى تقديم الغطاء الجوي وتصعيد القصف الى الحد الأقصى.
والسؤال هو: هل يريد الرئيس فلاديمير بوتين تكرار نموذج غروزني الشيشانية في حلب، وتحمل المسؤولية، وسط مَن يحذره من مضاعفات اقليمية ودولية كما من تأثر مواطنيه من المسلمين البالغ عددهم ١٥ مليون انسان؟ ماذا عن رهانه المعلن على تسوية سياسية بالتفاهم مع أميركا في الأشهر الباقية من رئاسة باراك أوباما، قبل مجيء رئيس جديد مختلف كثيراً عن أوباما مثل دونالد ترامب أو قليلاً مثل هيلاري كلينتون؟ وما الذي يضمن ألاّ تطول المعركة، وان تبقى القوى الاقليمية الداعمة للمعارضة ملتزمة قيود التسليح التي فرضتها واشنطن، وحتى ان يواجه سيّد البيت الأبيض كل الضغوط الداخلية والخارجية بتكرار القول: تفحصت كل الخيارات بالنسبة الى سوريا فلم أجد خياراً جيداً؟
اختلاف الرؤى والتقديرات واضح بين أميركا وكل من تركيا والسعودية وقطر والمعارضة. ومن الوهم الحديث عن تطابق كامل في الأهداف الاستراتيجية والألعاب التاكتيكية بين روسيا والنظام السوري وايران. والثابت في التفاهم الروسي – الأميركي، بصرف النظر عن المتغيرات والخلافات، هو التوقف عند معادلتين: أولاهما ان معركة حاسمة في حلب مدمرة تعني نهاية الكلام على تسوية سياسية، سواء على أساس بيان جنيف – ١، أو على أساس القرار ٢٢٥٤، أو حتى على أساس ما عرضه النظام من تأليف حكومة واسعة تضم موالين ومعارضين ومستقلين. والثانية ان حرب سوريا مستمرة، لا فقط مع داعش وجبهة النصرة وبقية التنظيمات الارهابية بل أيضاً مع المعارضة المعتدلة، وان حسم المعركة في حلب ليس بوليصة ضمان لحسم الحرب ضمن منطق الحلّ العسكري الذي بقي على مدى خمس سنوات مهمة مستحيلة.
والمشروع الاقليمي لايران شيء، والدور الدولي لروسيا شيء آخر، وان تقاطعت المصالح مرحلياً في اللعبة الجيوسياسية.