Site icon IMLebanon

حسابات غير مألوفة  

لن يوقف فلاديمير بوتين سباقه، على الأرض في سورية، مع الانتخابات الرئاسية الأميركية. بل العكس هو الذي يحصل. بحيث إن زعيم الكرملين الذي خسر الجولة الأولى من جرّاء تمنّع شرق حلب عن السقوط قبل المناظرة الأخيرة بين هيلاري كلنتون ودونالد ترامب، يبدو أكثر تصميماً الآن، على إنضاج معادلة ميدانية متفوقة قبل وصول المرشحة الديموقراطية الى البيت الأبيض.

لكن دون ذلك، حسابات لم يألفها بوتين منذ شروعه في حملته السورية في أواخر أيلول من العام الماضي. أولها أن القوى المعارضة في شرق حلب ليست هيّنة ولا بسيطة. ويبدو أنها تعرف تماماً، مثلما يعرف قادة غرف العمليات الروسية والإيرانية وملحقاتها الأسدية، أن القصف الجوي وحده لا يربح معركة على الأرض، ولا بد بالتالي من دبيب عسكري ومدرّع في البر.. وذلك على ما تبيّن ويتبيّن، أمر مكلف للغاية لفِرق الميليشيات المذهبية العراقية واللبنانية المتصدّية لقيادة الحرب على الشهباء وأهلها.

والروس، وتحت قيادة بوتين تحديداً، يعرفون هذه المعادلة بدورهم. بحيث إن تدمير غروزني (مثلاً) بالقصف الناري المدفعي والصاروخي والجوي لم يحقق انتصاراً تاماً فيها.. بل احتاج الأمر الى جيش على الأرض. وهذا برغم تفوقه الكبير لم يتمكن من إخضاع المدينة تماماً إلاّ بعد انسحاب المدافعين عنها، والذين لم يتجاوز عددهم بالمناسبة، الألف مقاتل شيشاني!

المعادلة الميدانية القائمة في شرق حلب تبدو أصعب. خصوصاً، وأن الروس ليسوا على الأرض بالأعداد التي تسمح لهم بالتقدم ميدانياً، بل يقصفون من الجو، ويقدمون «استشارات» ومساعدات لوجستية للميليشيات وشبّيحة الأسد، وهؤلاء حتى أيلول 2015، كانوا في خط تراجعي من الشمال الى الجنوب وليس العكس!

ولذلك، يستشرس الروس في استخدام غزارة النار والقصف الجوي من جهة، وفي التمسك بطلب فصل مقاتلي «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) عن باقي مقاتلي المعارضة «المعتدلة» من جهة ثانية.. ويصعّدون الضغط الإعلامي والنفسي تحت لافتة فتح ممرات آمنة للخروج من الاحياء المحاصرة عبر طريق الكاستيلو!

ولكن لأن الاستهداف التدميري لم يوفّر أحداً، ولم يفرّق بين مدنيين ومقاتلين، فإن مناورة الفصل بين هؤلاء وفتح الممرات وصلت الى طريق مسدود.. وزاد على هذا المعطى، أن الأميركيين والأوروبيين وداعمي شعب سوريا في الإجمال، الذين انخرطوا في محاولة تنفيذ بند الفصل بين «النصرة» وغيرها، تيقّنوا من أن الهدف هو المدينة نفسها وليس «فصيلاً إرهابياً»! وأن المحور الروسي – الإيراني الأسدي يتصرف وفق حسابات كسرية ويحاول استغلال كل معطى موجود راهناً، من أجل تدعيم توجهاته والابتعاد أكثر فأكثر عن قصة «الحل السياسي». عدا عن التوظيفات المضافة، أكانت تتصل بمحاولة التأثير في الانتخابات الأميركية، أو إنضاج حالة تضع الوضع السوري في سلّة مقايضة واحدة، مع العقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا بسبب أوكرانيا والقرم!

لن يتراجع بوتين بالهيّن، بل العكس. لكنه سيصطدم بمعطيات لم تكن «متوافرة» سابقاً. وبالتالي سيزداد شراسة ودموية وإجراماً من دون أن يتمكن من تحقيق أهدافه المتوخاة: لن يحقق «انتصاراً كاسحاً على الأرض. ولن تُرفع العقوبات عنه! ولن يفوز «حليفه» في الانتخابات الرئاسية الأميركية! ولن يعود القادة الأوروبيون الى غرف النوم! بعد أن وصل ضجيج العسكريتارية البوتينية الى صالوناتهم أو يكاد!