IMLebanon

الخليفتان؟

الفراغ الذي كان يحلم بحصوله خصوم آية الله هاشمي رفسنجاني مع غيابه، يكاد يتحول الى كابوس يضاعف من قلقهم وقلق المرشد آية الله علي خامنئي، لأنه حلّ على إيران في وقت صعب وحساس نتيجة لتسلّم دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة، وإثباته في الأيام العشرة الأولى من رئاسته أنه ينوي تنفيذ التزاماته ووعوده الانتخابية بسرعة ومن دون تردد.

مضى أسبوعان على وفاة هاشمي رفسنجاني، رئيس «مجلس تشخيص مصلحة النظام« وعضو «مجلس الخبراء» الذي فاز بكل مقاعد طهران، رغم ذلك لم يعيّن المرشد بديلاً منه في الرئاسة، ولم يحدد موعداً لانتخابات «مجلس الخبراء«. هذا التأخير يؤكد وقوف المرشد خامنئي جامداً أمام الفراغ، مع أن صلاحياته تسمح له بإصدار قرار في الحالتين يتم تنفيذه فوراً.

الى جانب ذلك فإنه عُرف دائماً عن خامنئي قدرته على الامساك بالتوازنات وتدوير الزوايا لما يراه مناسباً. في حالة غياب رفسنجاني، تبدو الأوضاع معقدة الى درجة غير مسبوقة، وما ذلك سوى خصوصية شخصية رفسنجاني وموقعه التاريخي والسياسي في ادارة الثورة والدولة معاً.

التأخير المربك لتعيين رئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام، لا يعود الى ندرة المؤهلين، وإنما لأن الخليفة الذي يعينه المرشد يجب أن يكون قادراً على الامساك بهذا المجلس الذي يبدو من بعيد أنه غير مؤثر، في حين أن إدارته معقدة جداً. ذلك أن هذا المجلس يضم كل أركان الدولة، من رئيس الجمهورية الى قائد الحرس الثوري وقائد الجيش، مروراً برئيس مجلس الشورى والوزراء ورئيس مجلس الأمن القومي. لذلك يجب أن يكون قبول هؤلاء الأعضاء «طوعياً«، وإذا كان الرئيس الخليفة، يملك السلطة بحكم الموقع فإن الأهم أن يملك «السطوة» (هذا ليس سهلاً إذ ليس لكل سلطة سطوتها) كما رفسنجاني على أعضاء المجلس الذين كل واحد منهم له موقعه وشخصيته. ويتأكد عندما تختلف وجهات النظر المتنوعة أصلاً تبعاً للانحيازات السياسية بين معتدلين ومتشددين. من هنا فإن الأهم من المكان، أن يملك المكانة التي تفرض على الآخرين الاحترام والمهابة.

انتخابات مجلس الخبراء، التي تحمل في قلبها «رسالة» أهم من التعيين في المجلس الآخر. رفسنجاني كان قد فاز بفارق مليونين عن الآخرين، ولائحته التي تضم ثلاثين مرشحاً فازت بفارق كبير عن لائحة المحافظين، وقد ترك في اللحظة الأخيرة السماح لآية الله جنّتي بالفوز لأنه يرأس «مجلس صيانة الدستور»، وكانت قد وقعت مشادة كبيرة حول صلاحيات هذا المجلس في استبعاد مرشحين، لأنه يملك صلاحية الفرز والاستبعاد مما جعله «المصفاة» الآلية لإبعاد من يتم الاعتراض عليه تحت حجج مختلفة، كما حصل مع السيد حسن الخميني بأنه لم يتقدم الى امتحان «الخارج» علماً أنه يدرّسه في الحوزة. لهذا كله فإنه إذا فاز بديل رفسنجاني وهو على الأرجح سيكون السيد حسن الخميني، فإن ذلك سيكون قراراً شعبياً في اعادة فتح الشرعية لمن يستحقها وإذا انتخب البديل بإقبال شعبي ضخم فإن هذا الاقبال سيعزز حضور المعتدلين والاصلاحيين أمام أبواب الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويصبح فوز حسن روحاني بولاية رئاسية ثانية تحصيل حاصل، مع كل ما لإعادة انتخاب روحاني من ترددات عميقة وواسعة على تشكيل النظام الذي لم يعد من أمره بد، عاجلاً أو آجلاً.

مشكلة النظام الخامنئي، إذا أراد خامنئي استمراريته والأهم تأمين مسار هادئ له وسط التعقيدات الداخلية والخارجية، أن يكون بديل رفسنجاني من نمط تفكيره، أي الاعتدال والانفتاح داخلياً وخارجياً. دون ذلك فإن الجمهورية كلها ستنزلق نحو تعقيدات خطرة. ذلك أن رفسنجاني كان يضحي أحياناً بما يريده أو يأمله حتى لا ينتج أي خيار حاد له، «ثقباً في السفينة الإيرانية».

وهذه مهمة صعبة جداً، لأن المرشد انحاز كما لم يعتد سابقاً نحو التشدد، من ذلك منع الرئيس محمد خاتمي «العاقل» من «الظهور»، الى درجة منعه من المشاركة في تشييع رفسنجاني، وكانت الحجة أنه ليس سهلاً «ترقيمه» ضمن الكبار ولا ممكناً ضبط المشيعين في الهتاف له ما يشكل «خضة» لا يحتملها المرشد ومَن معه، وضمن تركيبة خامنئي العاقلة فإنه عمد مؤخراً الى تكثيف حضوره بدلاً من ظهوره، كما جرى اختزال السيد حسن الخميني بأن أصبح ينادى بالسيد حسن مصطفوي لكسر موقعه المهيب المرتبط بجده، فكان أن ردّ على ذلك بالإصرار على دفن رفسنجاني الى جنب الامام الخميني، بعد أن كان الرأي الرسمي دفنه في قم، مما يجبر كل من يريد الاقتراب من ضريح الإمام أن يمر أمام ضريح رفسنجاني وقراءة الفاتحة. ومن مسارات الأشخاص والمواقف يظهر أنّ ما كان يعمل عليه رفسنجاني في جعل روحاني خليفته، يجري أيضاً العمل على أن يكون السيد حسن الخميني «ضابط إيقاع» مستقبلياً.

كل يوم تأخير على الاستحقاقين، يعمّق الأزمة ويعقّد اختيار البديل من رفسنجاني، وفي المدى الأبعد عن اليوم يصبح تعيين الخليفة للمرشد خامنئي أكثر تعقيداً، إذا ما حصل فجأة كما وقع مع غياب رفسنجاني. ذلك أنّ «مجلس الخبراء» يصبح بلا «عموده«؟! وقد يرتفع منسوب التعقيد بشكل غير مسبوق، إذا ما غاب آية الله جنتي رئيس مجلس الخبراء الذي يزيد عمره على التسعين سنة، والذي يقال إنه نقل الى المستشفى!

يُقال في طهران إن المرشد خامنئي يرغب في تعيين حجة الإسلام رئيسي رئيساً لـ»مجلس تشخيص مصلحة النظام»، لكن ما يحول دون ذلك أنه لم يمضِ عليه ثلاثة أشهر في تسلم موقعه المهم بعد أن سماه المرشد، «حاضناً للحضرة الرضوية في مشهد»، وهو موقع مهم جداً اذا ما عرف أن نحو ثمانين في المئة من منازل وأراضي مشهد «وقْف» للإمام الرضا. ولذلك لا يمكن بسهولة الانتقال من هذا الموقع الإجرائي الى موقع سياسي بحجم « رئاسة» مجلس تشخيص مصلحة النظام وخليفة لرفسنجاني.

وكان رئيسي قد منع رفسنجاني من الإقامة في المقام كما اعتاد طوال العقود التي تولى فيها آية الله طبسي الموقع نفسه تقديم الإقامة والرعاية لرفسنجاني مما سبّب حساسية واضحة بين رفسنجاني ورئيسي.

كانت طهران تعيش على وقع البحث عن خليفة للمرشد، فإذا بها الآن تعيش على وقع البحث عن خليفَتين لكل واحد منهما مهمة أصعب من الأخرى.