لا أحد ينكر ان التطورات الأخيرة على المستويين الدولي والاقليمي انعكست سلباً في الواقع اللبناني، الذي لم يكد يبدي فرحته بانجاز استحقاق الانتخابات النيابية المعطلة منذ العام 2009، حتى أطلقت الولايات المتحدة بقرار من رئيسها دونالد ترامب صفارة الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، ضمن مسلسل من السيناريوات تتضح معالمه، يوماً بعد يوم، من أخطرها الذهاب الى حرب اقليمية، يضع المنطقة بكاملها في أسوأ الاحوال ويضع مصير شعوبها على «كف عفريت»؟! ولم يبق لبنان بعيداً عن هذه السيناريوات، بدليل ما تعرضت له بلدات وقرى جنوبية وبقاعية من «سقوط عدد من بقايا وأعقاب صواريخ مجهولة النوع والمصدر نتيجة الاحداث الدائرة في سوريا..» على ما جاء في بيان قيادة الجيش..
لقد تنامت الدعوات الدولية، وتحديداً الأوروبية منها، «لضبط النفس..» والافرقاء اللبنانيون، على وجه العموم، باتوا على قناعة بوجوب «الحفاظ على استقرار لبنان وابعاده عن نيران المنطقة قدر الامكان..» خصوصاً وان لبنان أمام استحقاقات بالغة الأهمية، توازي، او تتوج انجازات الانتخابات النيابية وما استولدته.. وذلك بصرف النظر عما يقال عن «استنفارات» على طول الحدود الجنوبية، وتحديداً من قبل «حزب الله».
مع عودة الرئيس نبيه بري الى عين التينة – أول من أمس – من مسقط رأسه «المصيلح» الجنوبية، بدأت ورشة عمل جدية للتحضير الى مسألتين:
– الأولى: انتخاب رئيس وهيئة مكتب لمجلس النواب المنتخب في جلسة من المتوقع ان تكون في 21 و22 ايار.
والثانية: البدء بمسيرة تشكيل حكومة جديدة، يتطلع الافرقاء كافة، الى ان لا تكون هذه المسيرة، استنساخ لسابقاتها، والجميع يستذكر ما استفرقته حكومات سابقة من وقت لتشكيلها، تراوحت بين أربعة أشهر و15 يوماً مع حكومة نجيب ميقاتي في العام 2011 وعشرة أشهر و9 أيام مع حكومة الرئيس تمام سلام؟! في وقت استغرق تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري الحالية شهراً واسبوعين؟!
الواضح، وبحسب المعطيات المتداولة، فإن ولادة الحكومة الجديدة لن تكون متعثرة، على ما يوحي البعض او يتمناه.. واذا كانت الطريق أمام الرئيس بري معبدة سلفاً الى رئاسة مجلس النواب من جديد، فإن هناك شبه اجماع وطني على ان يمضي الرئيس سعد الحريري في هذا الموقع، بصرف النظر عن السيناريوهات التي تصاحب ذلك، وقد تشكل عثرة في طريق الاسراع بتأليفها ان لناحية مكوناتها، وان لناحية عددها، وان لناحية توزيع الحقائب وان لناحية البيان الوزاري الذي ستنال بموجبه الثقة النيابية المطلوبة؟!
في العشرين من ايار الجاري تنتهي ولاية مجلس نواب العام 2009، وتبدأ مسيرة مجلس الـ2018 في الحادي والعشرين منه، وعلى رأسه الرئيس نبيه بري بغالبية لافتة، ان تعذر الاجماع او شبه الاجماع، لاعتبارات يتعلق بعضها باشكالية العلاقات بين الرئيس بري ورئيس «التيار الحر» (النائب والوزير) جبران باسيل.. وما يمكن ان تتركه من تداعيات، جراء هذه الاشكالية، التي يستحضرها ابو مصطفى عند كل مناسبة لافتاً الى أنهم «اذا أرادوا السلم اناله، واذا أرادوا الحرب السياسية أنالها..»؟!
لا أحد يدير ظهره لما يمكن ان يصاحب تشكيل الحكومة العتيدة من صعوبات، وان كانت أسهم الرئيس الحريري باتت في طليعة المؤهلين لرئاستها، ومن بين الصعوبات، او من أبرزها توزيع الحقائب، وعقدة الحقائب السيادية وعلى رأسها وزارة المال التي يتمسك بها الرئيس بري لصالح «الطائفة الشيعية» وتحديداً لصالح الوزير علي حسن خليل، كما وعقده «الثلث الضامن» (او «المعطل) تماماً كما ومضمون البيان الوزاري الذي ستنال الحكومة الثقة بموجبه. وقد أبدى «حزب الله» استعداداً وانفتاحاً على مناقشة البيان الوزاري لناحية المسائل السيادية والسياسية الخارجية من دون شروط مسبقة».
يتقاطر أفرقاء عديدون على وضع الشروط والشروط المضادة، ورفع المحرمات والمحرمات المضادة، خصوصاً من أفرقاء باتوا يصنفون من بين الأول في عدد المقاعد النيابية.. ومن هؤلاء «التيار الوطني الحر» و»حزب القوات اللبنانية» تماماً كما «المستقبل» و»الوفاء والأمل» حيث تشترط «القوات» الدخول في أي نقاش حول الحقائب والعدد بضرورة ربط اعادة التكليف بحصول تفاهم سياسي يسبق عملية التأليف..؟!
الواضح حتى الآن، التفاهم بين غالبية الافرقاء النافذين، على أهمية توفير الاستقرار السياسي، كمفتاح للاستقرارين الاقتصادي والامني، وهو «استقرار لا توازيه أي أهمية..» و»النأي بالنفس» عن صراعات الخارج.. خصوصاً وان لبنان، على ما يقول ويكرر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، «يعاني من تبعات حرب لا قرار له فيها، والاعباء التي يتحملها جراءها تفوق بكثير قدرته على التحمل..» خصوصاً أكثر ان «حزب الله» بات على قناعة بان «مصلحته الاستراتيجية هي في تعزيز دوره الداخلي بعيداً عن ادائه الاقليمي»، وهو أفصح، بطريقة او بأخرى عن ذلك، مباشرة وتلميحاً.. مع تأكيد عديدين على وجود «توافق» بين الحزب والرئيسين عون وبري على «تدشين مرحلة اصلاحات سياسية وتشريعية، تفضي، بالتوافق مع الرئيس الحريري، الى اصلاحات والبدء بمسيرة مكافحة الفساد والهدر، منذ لحظة ولادة الحكومة ونيلها الثقة..»؟!
ليس من شك في ان الطريق الى ذلك ليست سهلة، لكنها غير مستحيلة والمنطقة تتدحرج رويداً رويداً نحو مواجهات مفتوحة على كل السيناريوات التي بدأت تشغل العالم قاطبة..