في الطبيعة، هدوء ما قبل العاصفة محكوم بناموس التعاقب، إذ لا فسحة زمنية بين الهدوء وهبوب العاصفة. في المجتمع بصراعاته ومخاضه قد يطول زمن الهدوء أو يقصر، والعاصفة قد تأتي أو لا تأتي. وذلك يتوقف على سلوك المجتمع بمكوناته السياسية… فاذا جنحت نحو التعقل والحكمة والبصيرة وضبط الذات عندها يكمل المجتمع الرحلة الى شاطئ الأمان. واذا سادت ثقافة الهستيريا والجنون بين تلك المكونات، تنفجر العاصفة التي تطيح بالجميع، وبالوطن!
يمرّ لبنان اليوم بمرحلة تاريخية مشابهة. فترة الشغور الرئاسي الطويلة كانت أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة التي لم تهبّ بفعل تعقل المكونات السياسية التي تجاوزتها بشيء من المرونة، وبشيء من دينامية الأمر الواقع، وبشيء من حسن الطالع اقليميا ودوليا. غير أن الأمر لم ينته عند هذا الحدّ. وشرط الرسو المستقر على شاطئ الأمان، بروز دينامية اجتماعية سياسية اصلاحية تقضي على الجذور النخرة التي توسّع الثقوب التي تهبّ منها العواصف، الى أجل غير مسمّى. واذا لم يحدث ذلك سيقع المحظور، إذ أن دينامية العاصفة انها تهبّ مرتين!
هذا الكلام النظري يعني في الترجمة العملية ان العهد الجديد الحالي اما أن يكون عهد اصلاح جذري، بمفهوم اعادة تأسيس الدولة على قواعد عصرية متقدمة تتجاوز المفهوم الموقت والبالي الذي قامت عليه بعد الاستقلال، على أعراف طائفية ومذهبية قادت بالممارسة العملية الى تعميم ثقافة الفساد، وتمزيق روابط الوحدة الوطنية، وانهيار القيم، وطغيان الشهوات، وشلل مؤسسات الدولة، وتفكك المجتمع واهتزاز الوطن على شفير الهاوية… وهذه هي مشاعر غالبية ساحقة من اللبنانيين من مختلف عائلاتهم الروحية.
ما يمكن ان يُحدث الفرق، قائد تأسيسي ينبثق من وجدان شعبه. ومع قائد من مزاياه عدم المراوحة في المكان نفسه بل الذهاب الى آخر الخط في هذا الاتجاه أو في الاتجاه المعاكس، يقف لبنان اليوم على مفترق تاريخي. الانغماس في لعبة السياسة الداخلية ستقود الى خط آخره الانفجار. والانخراط في خط اعادة التأسيس آخره ولادة الدولة المنشودة…
وقع خطأ مطبعي في مقال أمس، والصواب هو: تجاوز الوزير المشنوق كل المجاملات وليس المجالات.