قامت حكومة الرئيس تمام سلام بعد وقت قصير على اغتيال الوزير السابق محمد شطح، فيما كانت كل المؤشرات تدل على ان الوضع الداخلي في لبنان متجه نحو الانفجار الشامل، فكانت تفاهمات دولية – اقليمية – محلية أدت الى تغليب منطق التهدئة على التصعيد المنفلت، على الرغم من ان جميع القوى المعنية بالساحة كانت تدرك ان “حزب الله” هو الجهة التي كانت تقف خلف اغتيال شطح، تماما كما وقف خلف معظم الاغتيالات منذ ٢٠٠٤، إما منفردا وإما بشركة المخابرات السورية أو بتعاون مع فرق اغتيالات في احزاب لبنانية معروفة. جاءت حكومة تمام سلام كحل موقت (قد يطول) لتهدئة الوضع الداخلي، وسحب ما امكن من فتائل التفجير، وتخفيف الاحتقانات التي زادها انقلاب كانون الثاني ٢٠١١ على حكومة الرئيس سعد الحريري، فضلا عن الاحتقان الناجم عن تورط “حزب الله” في سوريا عبر ارسال مسلّحيه لقتال الثوار السوريين دعما لنظام بشار الاسد. كان معلوما ان المطلوب هو “تهدئة” وترك الحلول لمرحلة لاحقة، بمعنى آخر كان المطلوب منع اشتعال النار، وتأجيل المسائل الخلافية الكبرى الى ما بعد. نجحت التفاهمات الى حد معين بعد تشكيل الحكومة في ظل “تعاون” من “حزب الله” في الحد الادنى سمح بعمل حكومي بحدود دنيا، وبطبيعة الحال من دون ان يصل الامر الى حد قيام الحكومة بعملها كما ينبغي مثل الحكومات في البلدان الطبيعية.
واصلت حكومة تمام سلام العمل في ظل التحديات بحدود معقولة تحت مظلة “التفاهمات”، وجرى تمرير استحقاق الانتخابات الرئاسية الذي انتهى الى شغور مديد، ولم يؤد تصاعد المطالب النقابية بإقرار سلسلة الرتب والرواتب الى استغلال سياسي غير اعتيادي.
ومع أن “حزب الله” زاد تورّطه في الدماء السورية، وعلى الرغم من تعرضه لخسائر فادحة حيث تجاوز عدد قتلاه الألف على الأقل، ومع استدراجه النار السورية الى الاراضي اللبنانية (جرود بريتال)، استمرت “التهدئة” وان معطوفة على ازمة اقتصادية حادة. ولم تخرج السجالات السياسية أو الخلافات حول القضايا الكبرى عن حدها، مما اعادنا بالذاكرة الى ما كان قاله الرئيس سعد الحريري يوم سئل عن قبوله المشاركة في حكومة مع “حزب الله” بعد كل الذي حصل، فأجاب بأنه يشارك في اطار استراتيجية “ربط نزاع” مع الفريق الآخر.
اليوم يستمر “ربط النزاع” في ظل “تهدئة” من دون تسوية، متزامنا مع انفجار كبير تشهده المنطقة من العراق الى اليمن وليبيا مرورا بسوريا. ويستمر تمسك “حزب الله” بتنفيذ الاجندة التي تدفع بآلاف الشبان اللبنانيين الى النار السورية، وتعيد المئات منهم قتلى أو جرحى. ومع ذلك يبقى الوضع على حافة الهاوية، فالنار السورية اقتربت اكثر من اي وقت مضى. ويصح وصف لبنان بـ”الشجرة التي تهتز لكنها لا تقع”… حتى الآن!