في البدء كان أسعد زغيب صديق الوزير الراحل الياس سكاف. اختاره الـ»بيك» لرئاسة أول مجلس بلديّ عام 1998. ورغم بعض المآخذ، تمسّك بترشيحه ست سنوات أخرى عام 2004. إلا أن الأمور بدأت تتأزم في الدورة الثانية بين سكاف و»الريس» الذي قرر أن يفتح على حسابه، مستفيداً من علاقته الوطيدة بموظفين حريريين في زمن الحرب الحريرية على البيك، والمسعى الحريريّ لتحجيم الزعيم الزحليّ.
لاقاهم زغيب في منتصف الطريق على نحو حيّر الوزير الراحل وأحزنه، وفق أصدقائهما المشتركين. فبعد خسارة سكاف الوزارة والنيابة، سحب صديقه المفترض بساط البلدية من تحته أيضاً. لكن تعامل سكاف مع الملف البلديّ كان غير تعامله مع ملفّي النيابة والوزارة، بعدما انتقل زغيب إلى المقلب الآخر المناوئ للكتلة الشعبية، وبات مرشح تيار المستقبل والقوات اللبنانية التي سحبت من التداول كل مآخذها السابقة عليه حين كان سكافياً. وزغيب عام 2010 غير زغيب اليوم: يومها كان هو رئيس المجلس البلدي بكل ما يؤمّنه ذلك من نفوذ وسلطة وتأثير، وهو ما يفتقده المرشح الآخر المناوئ لرئيس المجلس البلدي. فهو صرف خلال ولايتيه أكثر من مئة مليون دولار كان يمكنه الاتصال بالمستفيدين منها لمطالبتهم بردّ الجميل. يومها كان الدعم الحريري المالي لزغيب مطلقاً، لا يوازيه شيء غير الدعم الشعبي في صناديق الاقتراع. إضافة إلى دعم لائحته من نواب القضاء السبعة (نقولا فتوش ضمناً) الذين لم يكن قد مضى على انتخابهم عام وما زال التعويل الشعبي عليهم كبيراً. يومها كانت لائحة زغيب هي لائحة السلطة ممثلة بوزارات المستقبل والكتائب والقوات الكثيرة، علماً بأن تحريض المستقبل والقوات السياسي والإعلامي على سكاف، بوصفه «سورياً»، بلغ ذروته في تلك الأيام. ومع هذا كله، ربح سكاف المعركة وخسرت لائحة زغيب. لاحقاً، توقّع كثيرون أن يعود زغيب إلى البيت السياسيّ الذي خرج منه، في ظل حرص سكاف خلال حياته على عدم إساءة أنصاره إلى صديقه السابق، الأمر الذي عرفت السيدة ميريام سكاف كيف تواصله بعد وفاة زوجها، فاستمرت في دعوة زغيب إلى أنشطة الكتلة الشعبية، غير مصدقة أن الصديق السابق سيكون رأس حربة القوات في مواجهة الكتلة في آخر آيام سكاف وبعد موته.
صديق سكاف السابق سيكون رأس حربة القوات في مواجهة الكتلة الشعبية
إلا أن العواطف الجياشة لا تؤثر، كما هو واضح، في زغيب الذي خسر لائحته عام 2010 لكنه نجح في الاختراق. مع ذلك، ظن كثيرون حين لاحظوا أداءه أنه لا ينوي الترشح مجدداً. فهو لم يسعَ أبداً خلال السنوات الست الماضية إلى مراقبة المجلس البلدي أو محاسبته أو فضحه أقله، مكتفياً بحضور جلسة أو اثنتين طوال ست سنوات، دافع في إحداهما عن كل الاتهامات المتعلقة بمطمر زحلة الصحي. وهو فاجأ الجميع بإعلان ترشحه مجدداً، في ظل تأكيد بعض مؤيدي لائحته أنه وضع الأحزاب أمام أمر واقع لا يمكنها تجاوزه، علماً بأن عثور القوات والعونيين، وربما النائب نقولا فتوش، على مرشح مشترك أقوى من زغيب ولم يسبق للمدينة أن جرّبته كان وارداً جداً. إلا أن حساب القوات لخسارتها في حال تشكيل ثلاث لوائح دفعها إلى تبنّي ترشيحه على عجل. وبعيداً عن تكلفة المطمر والمعدات وتلزيم نقل النفايات إلى أحد المقاولين المقرّبين جداً منه، تلهج زحلة باتهام زغيب باستملاك أراضي والده في منطقة البربارة، علماً بأن متابعة رئيس المجلس البلدي السابق في مقابلاته التلفزيونية توضح حقيقة ما يقوله معارضوه الزحليون من أن المشكلة لا تتعلق أبداً بنقله البندقية من كتف إلى أخرى، أو تكلفة معمل النفايات، أو أرض والده أو غيرها، بل بكل مقاربته للعمل البلدي. فهو يعتبر نفسه حالة زحلية في حدّ ذاته، يحق لها بعدد مقاعد يوازي مقاعد القوات والكتائب والعونيين مجتمعين، إضافة إلى الرئاسة طبعاً. ويقول علانية ما مفاده إن المجلس البلدي رئيس فقط، متعهداً مسبقاً بتحديد قدرات كل عضو في المجلس لتكليفه بمهمات تتناسب وقدراته، ومتحدثاً دائماً بصفته الكل بالكل: «أنا أنجزت وأنا عملت». والواضح من تصريحات زغيب ارتباكه الشديد في ما يخص شراكته والأحزاب. فهو يحاول إعطاء طابع عائلي ـــ زحلي للائحته، لمعرفته بأن سلاح الكتلة الشعبية فعال جداً، فيما الأحزاب تريدها معركة واضحة ضد البيوتات السياسية. وهو يواصل الإيحاء بأن لائحته وحدة متناغمة لا قالب حلوى تتقاسمه الأحزاب، فيما المحازبون يضجّون بحصة كل حزب. وهو يعطّل بعلاقته الوطيدة السابقة والمتواصلة مع تيار المستقبل محاولة العونيين والقوات القول إنهم يخوضون «معركة مسيحية» ضد تيار المستقبل في المدينة. أما المشكلة الأكبر فهي معرفة الزحليين أن تحالف العونيين والقوات والكتائب هو محض ظرفي ولا يمكن لأحد الوثوق باستمراريته، الأمر الذي يهدد عقد المجلس البلدي في حال فوز لائحة زغيب، خصوصاً أن أكثرية مجالس 2010 البلدية التي انقسمت على نفسها كانت نتيجة توافق ظرفيّ، ولا أحد في المدينة يريد أن تؤول السلطة التنفيذية في نهاية الأمر إلى محافظ البقاع أنطوان سليمان شقيق الرئيس ميشال سليمان.