حرارة الانتخابات في تزايد مضطرد، من فورة المهرجانات والمناظرات، الى نبش الأموات والملفات الى التضارب بالأيدي، كما حصل مع الاعلامي المرشح علي الأمين في عقر داره شقرا، أمس الأحد، مرورا بتمزيق الصور واليافطات، حيث بدأ فائض القوة يخرج عن طوره، أمام مجموعات ناقمة على الواقع، بكّرت في سعيها الى تجاوز الوضع السياسي المقولب، من الباب الانتخابي الضيّق، متناسية ان الديمقراطية في عالمنا، ليست كالديمقراطيات، والحريات المتاحة عندنا ليست كالحريات، إلاّ اذا بات المال الانتخابي جزءا متمما للحرية أو مكمّلا لصحة التمثيل. وهو ليس متوفّراً مع التغييريين.
وعلى سبيل التذكير، فان عالم الاجتماع العربي الأول، إبن خلدون، قال في الفقرة السادسة من مقدمته الشهيرة، ان الملك بالجند، والجند بالمال، والمال بالخراج الضرائب والعمارة بالعدل والعدل باصلاح العمال واصلاح العمال الموظفين باستقامة الوزراء ما يعني ان المال مكوّن أساسي للمجتمعات يكون عنصرا أساسيا في البناء والعمران وحماية الأوطان، كما في إفساد المؤسسات والمجتمعات، انه كالماء يتخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه.
ومن سوء الطالع ان الدور الافسادي للمال في حياتنا السياسية، غلب على أدواره الاصلاحية والتطويرية، ومع التناقص المتسارع للفترة الفاصلة عن السادس من أيار تتزايد وتيرة الحرارة السياسية، بذات المستوى والسرعة، فتضيق الصدور وتطول الأيدي، في وضع متفلّت، بلغ حدّ إنفاذ صبر هيئة الاشراف على الانتخابات، التي انسحبت احدى العضوات فيها، تجنبا للصيرورة كشاهدة زور، وجاهر رئيسها القاضي نديم عبد الملك، بأن هيئته تشرف على أنشطة المرشحين إلاّ الوزراء منهم، ما يعني ان جزءا من التفلّت المشكو منه ناجم عن وجود أكثر من نصف مجلس الوزراء مرشحين، ونصف النصف الآخر داعمين لمرشحين… ويرى مراقبون ان نحو ٨٠ مرشحا باتوا بحكم الفائزين حتى الآن، وان المعركة مستمرة حول ال ٤٨ الباقين، الذين من شأنهم تقرير حجم الكتل وأوزانها في المجلس الجديد، وبالتالي تحديد هوية صاحب الرئاسة الثانية والثالثة، ولئن كانت الانطباعات السائدة تشير الى ان المشهد الراهن لن يتغيّر، فالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حسم الرئاسة الثانية للرئيس بري، فيما كرّست التسوية السياسية المعروفة رئاسة الحكومة لباريها…
تبقى مشكلة الناخبين مع قانون الانتخاب الهجين، الذي تبرّأ منه بعض من عملوا عليه، بذريعة صحة التمثيل، فاذا به يضرب وحدة اللائحة الانتخابية الواحدة، قبل المنافسين، ويباعد بين الطوائف والمذاهب ولا يقرّب بين العائلات والأحزاب، ويفرض على الناخب اللبناني أن يقترع لمرشح وحيد، ويحمل معه اللائحة بمن فيها، أو بالأحرى الجمل بما حمل.
ولهذا المثل الشعبي القديم حكاية تتطابق مع واقع حال الناخب اللبناني مع قانون الانتخاب المعتمد.
والحكاية ان مكاريا كان يملك جملا يعتاش منه، ويوما أصاب الرجل مرضا شارف معه على الموت، فنذر الى ربّه ان تعافى ان يبيع الجمل بدينار واحد وهو الذي يساوي ألف دينار…
وقد شفاه الله بالفعل، وبات عليه الوفاء بالنذر، ولكن كيف يبيع جمله بدينار وهو لا يملك من دونه شروة نقير؟ فراح يبحث عن مخرج شرعي يعفيه من وفاء النذر حتى اهتدى الى أحد الحكماء المحنكين الذي سأله: هل لديك هر، فأجابه بنعم، فأشار عليه بأن يحزم الهرّ على ظهر الجمل ويعرضهما للبيع: الجمل بدينار والهرّ ب ٩٩٩، وأوصاه بأن لا يبيع الجمل إلاّ بما حمل…
وتقدم كثيرون لشراء الجمل بدينار ولما أبلغهم ان البيع يشمل الجمل وما يحمل انفضوا عنه، وهكذا تعذر عليه الايفاء بالنذر، رغم مسعاه، فذهبت هذه القصة مثلا: الجمل بما حمل.
لكن الناخب اللبناني، وكما عوّدنا سيقترع للجمل بما حمل…