لا يمكن فصل المخاطر الإقتصادية والمالية التي يمرّ بها لبنان عن المشكلة الجوهرية الأهم وهي الخوف على الكيان.
كان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أول من انتبه إلى ما يحاك، إذ صعّد من لهجته في الفترة الماضية معتبراً ان هناك مخطّطاً لضرب الدولة وتدمير الكيان بعد مرور المئوية الأولى لإنشاء لبنان الكبير.
وبادر البطريرك إلى طرح الأفكار الإنقاذية الجذرية وليس الأفكار العابرة، إذ دعا إلى الحياد الناشط وفك أسر الشرعية وعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، فتجمّعت حول سيد الصرح الأحزاب والفاعليات السيادية لأن الخطر على الوجود بات داهماً.
وليس غريباً على حزب مثل حزب “الوطنيين الأحرار” أن يكون في الصفوف الأمامية للدفاع عن خطّ بكركي ومطالبها والتأسيس لجبهة سيادية تنقذ ما تبقى من الكيان، فالحزب الذي أسسه بطريرك الموارنة السياسي كما كان يُلقّب، أي الرئيس كميل شمعون، هو رمز السيادة والمدافع الاول عن الكيان.
وإذا كان “الأحرار” قد جمع في السوديكو شخصيات تؤمن بنهائية هذا الكيان وضرورة تحريره وحفظ إستقلاله متبعاً طريقة “يا متلنا تعا لعنا”، إلا أن الغائب الأبرز كان حزب “الكتائب اللبنانية” الذي رفض المشاركة في مثل هكذا لقاء، ربما لأن الجوّ الذي بات فيه وخيارات رئيسه النائب السابق سامي الجميل لا تتناسب مع الخطّ التاريخي السابق الذي سقط من أجله آلاف الشهداء. وبعيداً عن تفاصيل اللقاء، يبقى الأساس هو الجوهر وسلوك “الأحرار” الذي يحاول إبقاء شعلة السيادة مشتعلة بدعم من أحزاب وشخصيات معروفة بتوجهاتها الوطنية، ما قد يؤسس لمرحلة جديدة من المواجهة. كفر رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي بسبب ثبات رئيس “الأحرار” دوري شمعون على موقفه بعد توقيع إتفاق “الطائف”، إذ إنه حاول مع سلطة الإحتلال السوري كسر المقاطعة الوطنية والمسيحية لإنتخابات 1992 وعرض عليه 16 مقعداً نيابياً فرفض شمعون.
وكان مقرّ “الأحرار” في السوديكو وبيانات نهار الجمعة أحد أهم الأعين التي قاومت مخرز الإحتلال السوري، وكانت تعقد إجتماعات دورية لرفض هذا الواقع، ولعب شمعون دوراً محورياً في “لقاء قرنة شهوان” ودعم مواقف البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وشكلت السوديكو منطلقاً لبناء الإستقلال الثاني.
ولم “يحرد” دوري شمعون لعدم ترشيحه على لوائح 14 آذار في انتخابات 2005 فظل في الخط نفسه وفي مقدمة الفريق السيادي، وعلى رغم بعض الإختلافات مع “القوات اللبنانية” في المرحلة السابقة، إلا أن شمعون وضع مقر الحزب في السوديكو في تصرّف طلاب اليسوعية بعد الإعتداءات التي تعرضوا لها من قبل مناصري “حزب الله”.
يتمسك “الأحرار” بالمبادئ التي نشأ عليها، وهو يهدف إلى الإستمرار بالجبهة السيادية تحت عناوين محدّدة ومعروفة وليس ضمن مشروع سلطة، وليست لديه مشكلة في عدم ترشيح أي مرشح حزبي في إنتخابات أيار المقبلة، شرط أن ينتصر الخط السيادي في المجتمع المسيحي واللبناني.
ويشكّل إستلام كميل شمعون لزمام الرئاسة في الحزب إستمراراً للخط التاريخي الوطني حيث يسجّل له بعد أشهر على تسلمه دفة القيادة أنه شخص عملي ولا يقتصر نشاطه على البيانات، وأهم ما في خطوة الأمس أنها وضعت قطار المواجهة السيادية على السكة الصحيحة لأن مشكلة لبنان هي في سيطرة الدويلة على الدولة، ما يشرّع الفساد.
قد يكون لقاء السوديكو المدماك الأول في رص الصفوف لمواجهة “حزب الله” على الساحة المسيحية والوطنية، إلا أن الأمر يحتاج إلى متابعة جدية وإلا فان “الحزب” سيستفيد من فرقة رفاق النضال.