IMLebanon

كميل شمعون

 

 

 

في 21 ايار من العام 1958، وبعد 13 يوماً على اغتيال الصحافي نسيب المتني الذي أعقبه إضراب شامل ومواجهات دموية عقد رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون مؤتمراً صحافياً تلا فيه بياناً بالانكليزية وجاء فيه: القضية الراهنة ليست في هذا الشخص أو ذاك. إنها ليست هذا المنصب الرفيع أو ذاك في البلاد. فالقضية الراهنة هي قضية وجود لبنان بلداً حرّاً في الشرق الأدنى، يعيش فيه المسلم والمسيحي في سلام ووئام، بلداً قادراً على تقرير حياته ومصيره تقريراً حرّاً ومستقلاً. ونحن نعتقد أن بلداً كهذا في الشرق الأدنى لا يستحق أن نعيش من أجله فحسب، بل يستحق أن نموت في سبيله أيضاً” وفي موقف عالي النبرة ضد تدخلات الرئيس جمال عبد الناصر قال في ذلك اليوم “إن الجمهورية العربية المتحدة لا تزال تتدخل بشدة في شؤوننا الداخلية قصداً منها إلى إحداث تغيير جذري في سياستنا الوطنية الأساسية. إذ يبدو أن محبتنا وانتماءنا إلى فضاء الحرية لا يعجبها”.

 

في الثامنة والخمسين من عمره تصدّى الزعيم الإستقلالي بحزم لمحاولات التدخل في الشأن الداخلي، مستعيناً بصداقات لبنان الدولية. يومها كان اسم وزير الخارجية شارل مالك.

 

وفي الثامنة والستين من عمره لم تنل منه رصاصات نبيل عكاري.

 

وفي الثامنة والسبعين صمد النمر الأصيل في الأشرفية وواجه جبروت الأسد وجيشه، ومنه استمد شباب من عمر أحفاده شجاعة.

 

وفي بدايات الـثامنة والثمانين من عمره، ذهب الرئيس الملك بكيانه الحر، وضوء وجهه إلى فضاء آخر.

 

أكثر الرؤساء سفراً وتجوالاً حول العالم.

 

أكثر الرؤساء إنجازاً.

 

وأكثر الرؤساء حنكة وصلابة.

 

وأكثر الرؤساء حضوراً في ذاكرة اللبنانيين.

 

بُعيد الذكرى الأولى لغياب بشير الجميل، قصدنا الرئيس كميل شمعون في منزله المتواضع في السيوفي: غياث يزبك، جان الفغالي، إيلي خياط وأنا. بدونا، في ذلك الزمن، ونحن برتبة صحافي متمرّن، منجذبين إلى سحر زعيم يزيده العمر نضارة وتزيده الأحداث إصراراً على العمل الوطني. نتمهّل بطرح الأسئلة.لا بل نتهيّب .يأخذ وقته بالتفكير. يختار كلماته بدقة. فتنزل على آذاننا مختمرة ببحة السنين. أذكر جملة قالها في ذلك اللقاء المحفور في أيامي،عن بشير، فحواها أن كلما بعدت المسافة الزمنية ينسى الإنسان أحبّاءه، لكن مع بشير كلما مر الوقت كلما شعرنا أكثر بالخسارة الجسيمة.

 

وها نحن بعد 35 سنة على غياب الملك، نجر الخسائر في رحلة تثبيت لبنان حرّاً في قراراته ، لا يجيّرها لمرشد من هنا وقائد حرس من هناك!