IMLebanon

غضب المخيمات يترنّح: دعوات لمراجعة المقاطعة

عمد ممثلو بعض الفصائل الفلسطينية مساء أول من أمس إلى فتح أحد مداخل مخيم عين الحلوة بالقوة، مهدِّدين المعتصمين ضد خطة وزارة العمل لتنظيم العمالة الأجنبية والفلسطينية، في حال إقفالها مجدداً بالإطارات المشتعلة. فما كان من بعض النسوة اللواتي نزلن إلى الطريق، إلا أن أقفلنَها بأجسادهن، مفترشين الأرض مع أولادهن. «الجوع ولا المذلة»، صرخت إحداهن. لاقاها شاب عاطل من العمل منذ ما قَبل قرار وزير العمل كميل بو سليمان بفرض حيازة الفلسطينيين لإجازة عمل، قائلاً: «إما ارمونا في البحر أو أعطونا حقوقنا»، قبل أن يشير إلى جاره الذي أوقفه عنصر من الجيش اللبناني بعد أن ضبطه «يُدخل سطل بويا!». المخيم يدخل اليوم يومه العاشر، معتصماً ضد قرار وزير العمل ومقاطعاً البضائع اللبنانية ومانعاً دخولها إلى أسواقه. تبدو عاصمة الشتات أكثر المخيمات احتجاجاً. تطوّرَ الخطاب الاعتراضي من إجازة عمل إلى حق التملك والتنقل والسفر والطبابة. السبب الرئيسي، بحسب أحد منظمي الحراك الشعبي عند مدخل المخيم لناحية الحسبة، أن صيدا عاصمة الجنوب «تحفزنا على الصمود في انتفاضة الغضب والمطالبة ليس بإلغاء إجازة العمل، بل بالحصول على حقوقنا المدنية». طوال الأيام الماضية، تردّد صدى انتفاضة عين الحلوة والمية ومية في شوارع صيدا التي تشهد يومياً مسيرات احتجاجية راجلة وسيارة. «رفعلونا معنوياتنا» قال المحتجون عن جيرانهم الصيداويين، وأبرزهم الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد الذي أطلق «الوثيقة الشعبية لحقوق الفلسطينيين»، وأعلن إعداد اقتراح قانون في مجلس النواب يطالب بإقرارها. يبدو المحتجون مستمرين طويلاً في تحركاتهم. الدولة قامت أخيراً بخطوات «لا تشجعنا على التراجع». النائبة بهية الحريري نقلت أول من أمس، عن رئيس الحكومة سعد الحريري تجميده تنفيذ القرار وإعادته إلى مجلس الوزراء «علماً بأن المجلس نفسه أقرّ ورقة أبو سليمان في 21 أيار الفائت. فكيف نصدقهم؟». وفي خطوة لافتة، شهدت المدينة وحارة صيدا، أمس، جولة تفتيش لفريق من مراقبي وزارة العمل بمؤازرة قوى الأمن الداخلي لعدد من المحال والمطاعم التي تشغل عمالاً أجانب وفلسطينيين لا يحوزون إجازات عمل!

بعيداً عن غضب فقراء المخيم، ارتفعت أصوات تدعو إلى إعادة مراجعة التحركات الاحتجاجية وإعادة النظر بالمقاطعة التي سببت خسائر للبنانيين والفلسطينيين على السواء. وبرغم أنه كان من أبرز الداعمين للتحركات ويمدّ المعتصمين بالمؤن، دعا رئيس «التيار الإصلاحي في فتح» العميد محمود عيسى «اللينو» (المحسوب على القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان) إلى ضرورة «مراجعة التحركات وفق المصلحة الفلسطينية واللبنانية، بما لا يعني إجهاضها و لا قطف ثمارها، بل ابتكار وسائل وأساليب تحفظ شعبنا وقدرته على الصمود و الاستمرار لتحقيق الأهداف العادلة». وفي بيان أكثر تفصيلاً، طالب رئيس منتدى رجال الأعمال الفلسطيني – اللبناني، طارق عكاوي، أبناء مخيمات صيدا بـ«العودة عن مقاطعة المدينة والجوار، لأننا نكون نقاطع أهلنا وإخوتنا المتضامنين معنا». وقال عكاوي لـ«الأخبار» إن «حالة من التباين تسود الفلسطينيين، بين القيادة السياسية التي تصدق وعود الدولة بتجميد القرار وبين الشعب الذي يغلي». في المقابل، الخسائر التي سببتها مقاطعة البضائع اللبنانية أصبحت تكوي الجميع داخل المخيمات وخارجها. «ما بين 700 إلى ألف محل في عين الحلوة، مقفلة منذ عشرة أيام، وقد لا يملك أصحابها تسديد بدلات إيجارها بسبب توقف حركة الشراء. مستودع البيبسي أقفل بعد نفاد بضاعته وعدم قدرته على التزود ببضاعة جديدة»، بحسب عكاوي. وفي صيدا، قد تصل خسائر مقاطعة نحو 15 ألف عائلة من عين الحلوة وجوارها الحسبة والمطاعم والمسالخ إلى 15 مليون دولار إذا دخلت المقاطعة شهرها الأول.
في الإطار نفسه، حذّر رئيس غرفة التجارة والزراعة والصناعة في صيدا والجنوب، محمد صالح، من تداعيات الإضراب، محمِّلاً الدولة المسؤولية بسبب «ضغطها على الفلسطيني الذي يعمل بقوت يومه». يشير صالح إلى أن العمالة الفلسطينية متجذرة في جميع القطاعات المهنية والإدارية والتجارية، و«نحن أكملنا النقص في أعداد العمال بالعمالة السورية، بعد أن سافر كثير من الشبان الفلسطينيين». صالح، في المقابل، يرجّح عدم قدرة الفلسطينيين على الاستمرار طويلاً بالمقاطعة: «إنهم يقاطعون المأكل، لا موادّ كمالية. فضلاً عن أن الزراعة جنوباً قائمة على العامل الفلسطيني». وعن تداعيات خطة تنظيم العمالة الأجنبية على أصحاب العمل اللبنانيين، قال صالح: «في حال تطبيق القرار، قد يضطر الكثير من أصحاب العمل إلى صرف الفلسطينيين». المقاول الصيداوي عامر معطي، سيلجأ إلى خيار الصرف «في حال تطبيق قرار فرض إجازة عمل من دون إعطاء الفلسطيني حقوقه المدنية». يرى في حديث لـ«الأخبار» أن إقرار الحقوق المدنية يحرك الدورة الاقتصادية اللبنانية. «نحن كتجار بناء، اخترب بيتنا منذ 19 عاماً عندما أُلغي حق التملك للفلسطينيين، فتراجعت حركة شراء الشقق والمحال. وإذا طُبِّق قرار فرض إجازة العمل، فلا نعود قادرين على تحمّل تكاليف إضافية، لأن 50 في المئة من العمال فلسطينيون».