لمعرفة وفهم حصيلة القمة الأميركية/ الخليجية في كامب ديفيد، لا بد من العودة إلى البداية. وهذه البداية، كما هو معروف، تتمثل في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما هو الذي دعا في 4 نيسان (أبريل) الماضي إلى هذه القمة تحت عنوان «تطمين قادة مجلس التعاون الخليجي» بعد ما وصف بـ «الاتفاق/ الإطار» الذي كانت الولايات المتحدة والدول الـ5 قد وقعته قبل ذلك بأيام مع إيران بشأن ملف الأخيرة النووي. وهذه البداية، كما هو معروف أيضاً، تكمن في أن هذه الدول الخليجية كانت تنظر إلى إيران من زاوية تمددها المليشيوي وسياساتها التوسعية في المنطقة أكثر مما كانت تهتم بملفها النووي، على خطورته إذا ما تحول إلى سلاح ذري.
ولم يكن الوضع في سورية والعراق ولبنان واليمن، في ظل تدخل إيران المذهبي والسياسي والعسكري فيها، إلا التعبير الفعلي عن هذا التمدد وبالتالي عن نتائجه الكارثية، ليس فقط على البلدان الأربعة، إنما على الأمن والاستقرار في المنطقة كلها أيضاً.
وعملياً، ففي البيان الختامي للقمة، كما في تصريحات أوباما نفسه، ما يلقي الكثير من الضوء على طبيعة الاتفاقات، وحتى الخلافات، التي شهدتها ثلاث جلسات على مدى يومين في هذا المنتجع الأميركي.
في البيان المشترك، تنديد من الدول السبع (الولايات المتحدة والسعودية وقطر والبحرين والإمارات والكويت وسلطنة عمان) بـ «الأنشطة الإيرانية التي تزعزع الاستقرار» في منطقة الشرق الأوسط، وأنها «ستتعاون معاً لمواجهتها».
وفي بيان منفصل للبيت الأبيض، أن المجتمعين اتفقوا على «التعاون… من أجل مواجهة أي تهديد خارجي لسلامة أراضي أي من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي». وعن هذا التعاون، أوضح البيان انه سيتم تعزيزه «في المجال الأمني لا سيما في مجال مراقبة نقل الأسلحة ومكافحة الإرهاب والأمن البحري والأمن المعلوماتي والدفاع المضاد للصواريخ الباليستية».
وفي تصريحات أوباما أنه يجدد «التأكيد على التزامنا الراسخ أمن شركائنا في منطقة الخليج»، لكنه يضيف: أن ذلك يمثل «طريقاً ذا اتجاهين» وأن على الدول الخليجية أن تتعاون على نحو أفضل في ما بينها.
وفيما ذكر أوباما «أن الهدف من التعاون الأمني ليس إدامة أي مواجهة طويلة الأمد مع إيران أو حتى تهميش إيران»… وأن تعزيز القدرات العسكرية لدول مجلس التعاون يتيح لهذه الدول أن تواجه إيران من موقع «ثقة وقوة»، فإنه أضاف أن بشار الأسد، الذي تدافع عنه إيران وترفض تنحيته، «فقد شرعيته ولا مستقبل له في سورية».
ما هي المعاني السياسية، وحتى الاستراتيجية، الكامنة في هذا الكلام؟
الواقع أن ما حمله قادة مجلس التعاون الخليجي معهم إلى كامب ديفيد، كان أولاً وقبل كل شيء أنهم أخذوا قرارهم بأيديهم من خلال «عاصفة الحزم» من ناحية، ثم عبر قرار مجلس الأمن الدولي الذي أيدهم ووقف إلى جانبهم، لكن كذلك ومن ناحية ثانية أنه تم في ظل إجماع شبه كامل من بقية الدول العربية على دعم هذه الخطوة وحتى المشاركة العملية فيها.
وبهذا، لم تلب وفود الدول الست دعوة أوباما إلى القمة لتطالبه بأكثر مما يستطيع، أو حتى يريد، بل لتبلغه أن تحالفها مع الولايات المتحدة لن يكون بعد الآن إلا على قدم المساواة، في الحقوق كما في الواجبات، وأن الأمن والاستقرار في الخليج (بل في المنطقة العربية كلها) هما مسؤولية العرب قبل أن يكونا حاجة للولايات المتحدة وللغرب، فضلاً عن العالم كله.
وإذا كانت إدارة أوباما، لأسباب ودواع وربما دوافع تخصها، تريد أن تعقد اتفاقاً نهائياً مع إيران بشأن ملفها النووي، فإن ما يهم العرب هو ألا يؤثر هذا الاتفاق سلباً على أمنهم، ولا أساساً على وحدة أراضي دولهم أو النسيج الاجتماعي والثقافي والعرقي، وإذاً الوطني لشعوب هذه الدول. وفي هذا الإطار، فقد يكون القرار الذي اتخذه الكونغرس بالإجماع (98 عضواً من أصل 99) في وقت واحد، مع انعقاد قمة كامب ديفيد، وتولى فيه مسؤولية مراجعة الاتفاق مع إيران قبل تصديق الإدارة عليه، عاملاً مساعداً إلى حد كبير ليس للقادة الخليجيين في تخوفهم من انعكاسات الاتفاق فقط، إنما للرئيس أوباما نفسه في الإجابة عن هذا التخوف.
ولا حاجة هنا للقول إن أي اتفاق أميركي مع إيران بعد هذه القمة، وبعد قرار الكونغرس هذا، لن يكون كما كان قبلهما في أي شكل من الأشكال… لا في ما يتعلق بتفتيش المنشآت النووية الإيرانية ومراقبتها، ولا خاصة في ما يتعلق بآلية رفع العقوبات وتدرجه زمنياً بما يتوافق مع التزام تطبيقه من إيران.
وبهذا المعنى، يصبح جائزاً القول إن قمة كامب ديفيد هذه قد نجحت… لكن أساساً في تحديد نقاط الاختلاف كما في تحديد نقاط الاتفاق. وهذا نجاح كبير بين حليفين ليسا حتما متساويين في القوة، إلا أنهما يريدان أن يكونا متساويين في تحمل المسؤولية.